الرقابة الإدارية


عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

يعتبر الفساد الإداري أهم عوائق التنمية في الدولة الحديثة، وللأسف فإن أكثر الدول حاجة إلى التنمية من الدول النامية هي أكثرها فسادا، مع حاجة تلك الدول إلى مسارعة الخطى لتقليل الفجوة الحضارية بينها وبين الدول المتقدمة.
ومن أهم وسائل مقاومة الفساد الإداري تفعيل الرقابة الإدارية، وتقويتها لتؤتي ثمارها. وقد كثرت النظريات والدراسات في مجال الرقابة الإدارية وتنوعت، وجلها يدور حول النظريات الحديثة في الرقابة الإدارية. وكان مما لفت انتباهي في قراءاتي التراثية وجود ثروة من المبادئ  والنظريات الإدارية في تراثنا الإسلامي والتي تحتاج إلى من يخرجها بصيغة حديثة تقربها من القراء. والهدف من ربط العلوم الإدارية الحديثة بتراث الأجداد هو:
·  تقوية الرباطة بين جيلنا والجيل السابق الذي ورثنا تركة من البلاد الواسعة الشاسعة التي تمتد من أقصى شرق آسيا إلى أقصى غرب أفريقيا.
·  كما أن في هذا خدمة لعلم القانون الإداري وعلوم الإدارة العامة بطرق مجالات جديدة وبحث علاج الفساد الإداري من زوايا متعددة.
·  كما أن فيه روحانية الباحث المسلم الذي يتنقل بين أنوار القرآن الكريم وحدائق السنة المطهرة ليستكشف ما يفيد في عملية الرقابة فيقدمها للقراء والباحثين باقة عطرة على شكل فيه تجديد في الطرح. 

وقد قسمت البحث إلى:
 مبحث تمهيدي ذكرت فيه المقصود من الرقابة الإدارية.
ثم الفصل الأول في الرقابة الذاتية.
والفصل الثاني في الرقابة الإدارية.
والفصل الثالث في الرقابة الشعبية.
ثم الفصل الأخير في تفعيل الرقابة وإنجاحها.
ثم الخاتمة وتتضمن أهم النتائج.
وأسأل الله أن يكون هذا البحث مفتاحا للاستمرار في نشر كنوز أجدادنا في علوم الإدارة والقيادة، والحمد لله أولا وآخرا.

بقلم: عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

العنوان/ ص ب 242230 الرياض 11322
الجوال/ 0505849406

المبحث التمهيدي في مفهوم الرقابة
تعرف الرقابة بعدة تعاريف، فعرفها الهواري بأنها التأكد من أن ما يتحقق، أو ما تحقق فعلا مطابق لما تقرر في الخطة المعتمدة، سواء بالنسبة للأهداف أم بالنسبة للسياسات والإجراءات أو بالنسبة للموازنات التخطيطية"[1].
وعرفها الضحيان بأنها التأكد والتحقق من أن تنفيذ الأهداف المطلوب تحقيقها في العملية الإدارية تسير سيرا صحيحا حسب الخطة، والتنظيم والتوجيه المرسوم لها"[2].
وتتضمن  عملية الرقابة ثلاثة أمور أساسية:
1-              التأكد من إنجاز الأهداف وفقا للخطة الموضوعة.
2-              التحقق من صحة التصرفات الإدارية أثناء التنفيذ.
3-              التحقق من مشروعية الأعمال الإدارية التي تمت أثناء التنفيذ[3].

ويمكن تقسيم الرقابة في المفهوم الإسلامي إلى ثلاثة أنواع: الرقابة الذاتية، والرقابة  الإدارية، والرقابة الشعبية. وتفصيلها في الفصول التالية.
الفصل الأول : الرقابة الذاتية
من أسس الإيمان لدى كل مسلم أن يعلم كل مسلم أن الله تعالى معه ويعلم تفاصيل ما يقوم به، قال تعالى:" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (ق :18). وقال تعالى:" إن الله كان عليكم رقيبا" (النساء:1)، وفي حديث أبي برزة الأسلمي مرفوعا:" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه"[4]. ولو استشعر كل مسلم هذا الحديث لصلح حاله، ومن ثم ارتقى المجتمع الإسلامي إلى ما نطمح إليه من تطور ورقي بين أمم الأرض.
 ومن أعظم ما يقي من الفساد السعي لمرتبة الإحسان التي حدد النبي صلى الله عليه وسلم معالمها في حديث جبريل والذي فيه: قال جبريل: ما الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"  أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"[5].
مسؤولية العامل وصاحب المنصب:
وكثير من الناس يحب أن يكون من أهل المناصب والمسؤولية لأنه ينظر إلى ما يحصله صاحب المنصب من شهرة ومكانة ولكنه ينسى أن المنصب تكليف لا تشريف، وأنه مسئول أمام الله تعالى في عمله، فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية عن بيت بعلها وولدها وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"[6].
ونجد أن الشارع قد نمى الرقابة الذاتية بذكر ما للعدل من ثواب، وما للجور من عقاب. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظم جزاء العادل عند الله فقال:" إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّـوا"[7]، وفي الحديث الآخر:" ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور"[8]. وفي رواية: ( ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه ) [9].  وقال شيخ الإسلام :" إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام ...وذلك لأن العدل نظام كل شيء"[10].
وفي حديث  المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال : أفلحت يا مقدام إن لم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا )[11]. وثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم : ( إنكم ستحرصون على الأمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة)[12]، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" إن شئتم أنبأتكم عن الأمارة، أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل"[13]، وقال صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه:" يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها"[14]. ويحكي صلى الله عليه وسلم موقفا من مواقف القيامة فيقول:" ليودن رجل أنه خر من الثريا وأنه لم يل من أمر الناس شيئا"[15]، ولا شك أنه لو قام بالمنصب حق القيام لسعد بعمله.
"والزجر عن طلب الولاية من الأمور التي ينفرد بها الإسلام حيث ندر أن تجد في أدبيات الإدارة العامة مثل هذا الزجر عن الحرص على الوظيفة، ولعل إحدى المشاكل التي تعاني منها الإدارة العامة وجود أشخاص مسئولين ذوي كفاءة متدنية يستميتون في البقاء في المنصب ولا يودون أن يتزحزحوا عنه ولا يسمحون لغيرهم من الأكفاء أن يصلوا إليه، وهذا سر التغليظ في هذا الأمر"[16].
الوالي أجير:
وقد كان هذا الأمر واضحا عند الرعيل الأول فقد دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فسلم عليه بلفظ:" أيها الأجير" فلما استنكر الجالسون ذلك، قال: إنما أنت أجير، استأجره رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها، وفَّاك سيدها أجرها،وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها"[17].

الإخلاص للعمل وبذل الجهد فيه:
ويجب على كل متولٍّ لأمر من أمور المسلمين أن يكون مخلصا لعمله، واستحضاره لهذا الشعور يقوي الرقابة الذاتية في كل وقت. وقد روى مسلم أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه فقال له معقل إني محدثك بحديث لولا أني في الموت لم أحدثك به سمعت رسول الله e يقول ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة[18]. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:( ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة)[19]. بل إن العامل والموظف إذا نصح في عمله وتفانى في أداء واجباته فقد كسب الخيرية من أزكى البشرية، وما أعظمه من وسام، فقد قال عليه الصلاة والسلام:" خير الكسب كسب العامل إذا نصح"[20].
الرفق بالموظفين والمراجعين:
ومن أعظم ما يمنع من التعدي والظلم استحضار تلك الدعوة النبوية لمن رفق بمن هم تحت مسؤوليته، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم من ولي من أمر أمتي أمرا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي أمرا فشق عليهم فاشقق عليه ) [21]، وهو عام في كل ولاية . وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله.."(آل عمران:159). ومن حمل هذا الشعور فإنه يبعد أن يحصل منه تعدّ على موظف تحت يده أو منعه من حقه، وهذه رقابة إيمانية دائمة وهي أنجح الوسائل الرقابية على الإطلاق.
تقوية الأمانة المالية:
وحيث أن من أهم الأمانات اللازمة في كل من عين في المنصب الإداري؛ الأمانة المالية، ومن أصعب أنواع الرقابة، الرقابة على الاختلاسات المالية اليسيرة، والتعدي على الممتلكات العامة. وهذا من خيانة الأمانة وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(الأنفال27)، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلولا، ففي صحيح مسلم عن عدي بن عميرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم قال:( من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان ذلك غلولا يأتي به يوم القيامة ) [22].  وفي الحديث الآخر:" من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول"[23].
وفي المقابل فإن المتصف بالأمانة له أجر عظيم، فقد قال الله تعالى صفات أهل الأيمان:" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" (المؤمنون:8)، و قال صلى الله عليه وسلم:" الخازن الأمين الذي  يؤدي ما أمر به طيبة نفسه، أحد المتصدقين"[24]. وفي الحديث الآخر:" العامل بالحق على الصدقة كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلى بيته"[25]. وهذه حوافز إيمانية تجعل العامل يتفانى في عمله ويجتهد فيه وهو مليء بسعادة غامرة لأنه في عبادة ما دام في عمله، وكل ما يؤديه لبيت المال فكأنه متصدق به.
محاربة التعيين للقرابة، والواسطة:

ومن أكثر أنواع الفساد الإداري انتشارا في البلاد العربية التعيين بالواسطة أو للقرابة. وقد ورد التحذير الشديد من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله e إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة [26]. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله"[27].

مكافحة الرشوة 

كما أن الرشوة فساد آخر ورد التحذير منه في قوله صلى الله عليه وسلم:" لعن الله الراشي والمرتشي"[28]. ويدخل فيها الهدايا والخدمات التي تقدم للموظفين، لقوله صلى الله عليه وسلم:" هدايا العمل غلول"[29]، وقد حاسب النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الهدايا ووعظه وحذره، ففي صحيح البخاري عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله e رجلا على صدقات بني سليم يدعى بن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله e فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده حتى روي بياض إبطه يقول اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني[30].
التعامل مع الرئيس في العمل:

من الشائع في كثير من المنشآت، التنازع والتخاصم بين الرئيس والمرؤوسين، وقد حسم الشرع هذه القضية بتحتم طاعة الرؤساء بالمعروف، ودليل ذلك ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"[31]، وهذا في الولاية العامة ويدخل فيها الولاية الخاصة، وروت لنا كتب التراث عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو ابرويز بن هرمز أنه قال: أطع من فوقك يطعك من دونك [32]. ونجد في تراثنا بعض وصايا ذوي التجربة لكيفية التعامل مع السلطان، ولا بأس أن تستخدم في التعامل مع ذوي المناصب العالية ، فمن ما ورد في ذلك :

·        قال العباس لابنه عبدالله رضي الله عنهما وقد كان يختص بعمر رضي الله عنه : يا بني إني أرى هذا الرجل يدنيك وإني موصيك بخلال: لا تفشين له سرا ولا تخونن له عهدا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تطوين عنه نصيحة [33].
·                   وقال أبو الفتح البستي : أجهل الناس من كان على السلطان مدلاًّ وللإخوان مذلاًّ [34].
·                   وقال الفضل بن الربيع : مساءلة الملوك عن أحوالهم تحية النوكى [35].
·        وقد بالغ بعضهم فقال: لا تسلم على الملك فإنه إن أجابك شق عليه وإن لم يجبك شق عليك [36]. وهذا مخالف لأدب الإسلام ، ومثل ذلك ما ذكروا من عدم تشميته وألا يعزيه وكل هذا تعظيم مردود .
·                   وقال ابن عباد :

إذا صحبت الملوك فالبس            من التحلي أجل ملبس

وادخل عليهم وأنت أعمى           واخرج إذا ما خرجت أخرس[37]
أداء العمل في مساعدة المراجعين قربة جليلة:
كما أننا نجد في الشرع المطهر التأكيد على أن خدمة الناس وقضاء حوائجهم من أشرف القربات، وأجل العبادات، ففي الحديث الشريف:" أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله"[38]. وهذا ما يشعر الموظف بمتعة أثناء تأديته لعمله، مما يؤثر إيجابا في أدائه العام.
مبدأ "استفت قلبك":
ونجد أن الشريعة السمحة قد جعلت للوازع الداخلي للموظف بل وكل مسلم أهمية جليلة في التمييز بين الحسن والقبيح عند الاشتباه، وهو ما يعرف بالضمير. فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"[39]. وفي الحديث الآخر:" استفت قلبك وإن أفتاك المفتون"[40]،وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"[41].
محبة الخير للغير:
ومن صور الرقابة الذاتية في التعامل مع المراجعين أو الموظفين الآخرين المبدأ النبوي العظيم الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم:" أحب للناس ما تحب لنفسك"[42].
اتجاه الدول الحديثة لتقوية الرقابة الذاتية:
وحيث أن كثيرا من الدول ليس لها معايير أخلاقية سماوية فقد اتجهوا إلى إنشاء ميثاق لأخلاق العمل، وقد أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن وجود ميثاق لأخلاق العمل يعتبر من الوسائل الوقائية المهمة لمحاربة الفساد في الدول النامية[43]. ويؤكد بعض الباحثين أن ذلك لا يكفي، بل لا بد من غرس القيم الأخلاقية للموظفين وتنمية الرقابية الذاتية من خلال غرس تلك القيم في التعليم العام، ومن خلال التدريب المتواصل[44].
وقد كثرت الدعوات من قبل المختصين في الإدارة في الدول الغربية إلى استخدام القيم والعادات التي تحث على الالتزام، وهو ما يطبق عليه: أسلوب استخدام القيم في التحكم في السلوك الإنساني (Ethics as Behavior Control)، ويدخل في ذلك مواثيق العمل وأخلاقيات المهنة[45].
الفصل الثاني: الرقابة  الإدارية
لا قيادة ناجحة بلا رقابة فاعلة:
لا يشك أحد أنه لا يمكن لمجتمع صغير أو كبير أن ينجح ويحقق أهدافه بدون قائد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم"[46]، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما:" لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم"[47] وذلك ليكون قوله فاصلا عند النزاع، ولذلك أعطاه الشرع حق الطاعة ولو كانت في أمر تكرهه النفس كما في حديث: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان". بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل جمعا من الصحابة في مهمة وأمَّر عليهم أحدهم فغضب عليهم وأمرهم أن يوقدوا نارا ويقتحموها فهموا بذلك طاعة له ثم قالوا: ما آمنا إلا هروبا من النار فكيف نقتحمها، فلما رجعوا من مهمتهم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما الطاعة في المعروف". وقد قال شيخ الإسلام :" فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولي أحدهم كان ذلك تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك"[48]. وقال الأفوه الأودي :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم     ولا سراة إذا جهالهم سادوا
كالبيت لا يبتنى إلا له عمد                     ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة                                    وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا[49]
ومن أعظم مهام القائد والرئيس أن تسير الأمور التي تحت ولايته على الشكل المطلوب، ولا يتحقق ذلك إلا بالقيام بالرقابة الدائمة لمن هم تحت يده، ليعرف مواطن الخلل فيصلحها، وما كان من أمور إيجابية فإنه يزيدها ثباتا. وهذه الرقابة صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41.
 ومع ما للرقابة الذاتية من أهمية إلا أن كثيرا من النفوس تحتاج إلى رادع خارجي، وصدق عمر رضي الله عنه في قوله:" لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن"[50]، أي أن هيبة السلطان والخوف من عقوبته ترتدع أكثر من المواعظ لكثير من الناس لضعف إيمانهم.
الرقابة في العهد النبوي والعهد الراشدي:
وقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم الرقابة على عماله، ففي صحيح البخاري عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله e رجلا على صدقات بني سليم يدعى بن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله e فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ...[51].
وكان أبو بكر يمارس الدور الرقابي بنفسه على عماله، فعندما جاءه معاذ بن جبل من اليمن قال له أبو بكر: ارفع لنا حسابك"[52]. وذكر الطبري أنه كان يراقب ولاته مراقبة شديدة، فكان لا يخفى عليه شيء من عملهم"[53].
وأما عمر فقد طور آلية الرقابة  الإدارية، إذ كان مهتما بهذا الأمر أشد الاهتمام، فقد قال يوما لجلسائه:" أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته فعدل، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا : نعم، قال: لا حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا"[54]. فاستشعاره للمسؤولية جعله يراها من واجبات الإمام، وليست الرقابة لمرة أو مرات ثم تقف، بل هي رقابة دائمة، حتى لا يقل العمل، أو يحصل تجاوزات فيه.
كما كان يرسل المفتش العام محمد بن مسلمة للرقابة على الولاة وتفحص شكاوى الرعية والتحقق منها وممارسة التحقيق مع الولاة. ومن أشهر ما روي في ذلك تحقيقه في شكوى بعض أهل العراق ضد واليهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكذا تحقيقه في شكوى بعض أهل دمشق ضد واليهم سعيد بن عامر رضي الله عنه[55].
ومن سياسته لولاته أنه ينظر في مال الوالي قبل الولاية، ويسجله في سجل، ثم ينظر ما زاد بسبب الولاة فيأخذ نصفه لبيت المال ونصفه للوالي ولو كان كسبه للمال بطريق حلال، وسبب ذلك أن الناس يحابون الوالي لأجل ولايته، فجعلهم كأنهم مشاركون لبيت المال، وهذا من فقهه العجيب[56]. وقد اشتهرت طريقته الرقابية، مما جعل الشعراء يذكرون ذلك في شعرهم، ففي الإصابة: قال أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق كلمة رفع فيها على عمال الأهواز وغيرهم إلى عمر بن الخطاب وهي:
أبلغ أمـير الـمـؤمـنـين رسـالة

فأنت أمين الله في النهـي والأمـر
وأنت أمين الله فـينـا ومـن يكـن

أميناً لرب العرش يسلم له صـدري
فلا تدعن أهل الرساتيق والـقـرى

يسيغون مال الله في الأدم الـوفـر
فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابـه

وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشـر
ولا تنسين النـافـعـين كـلاهـمـا

ولا ابن غلاب من سراة بني نصـر
وما عاصم منها بصـغـر عـنـاية

وذاك الذي في السوق مولى بني بدر
وأرسل إلى النعمان فاعرف حسابـه

وصهر بني غزوان إني لذو خـبـر
وشبلاً فسله المال وابـن مـحـرش

فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكـر[57]
فقاسمهم نفـسـي[58] فـداؤك إنـهـم

سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني لـلـشـهـادة إنـنـي

أغيب ولكني أرى عجب الـدهـر
نؤوب إذا آبوا ونـغـزو إذا غـزوا

فإن لهم وفراً ولسـنـا ذوي وفـر
إذا التاجر الهـنـدي[59] جـاء بـفـأرة

من المسك راحت في مفارقهم تجري
ويريد بابن محرش أبا مريم الحنفي وكان على رام هرمز.
قال البلاذري: فقاسم عمر هؤلاء القوم فأخذ شطر أموالهم حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً وكان فيهم أبو بكرة فقال: إني لم آل لك شيئاً فقال: أخوك على بيت المال وعشور الأبلة فهو يعطيك المال تتجر به فأخذ منه عشرة آلاف ويقال قاسمه فأخذ شطر ماله.
وكان لعمر رغبة في عمل جولة تفتيشية في جميع البلاد التي تحت سلطته، ففي الكامل أن عمر قال: قال عمر: لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين، والله لنعم الحول هذا[60].
كما كان عمر رضي الله عنه يراقب سلوك عماله، ويحاسبهم إذا رأى ما يقدح في عدالتهم، فقد بلغه أن أحد عماله يتمثل بأبيات فيها مدح للخمر، فعزله[61].
وعندما تكلم دعاة الفتنة في ولاة عثمان سعيا للتمرد عليه، اجتمع أصحاب رسول الله e إلى عثمان رضي الله عنه  فقالوا يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي آتانا قال لا والله ما جاءني إلا السلامة قالوا فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم من الناس إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن زيد غلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا أيها الناس والله ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وقالوا جميعا الأمر أمر المسلمين ألا أن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم[62].
وأما علي فقد كتب للأشتر النخعي حين ولاه على مصر، وأمره بالاهتمام بالرقابة على العمل (الموظفين)، ففي كتابه له:" ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم جدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية"[63].
وكتب عمر بن عبدالعزيز لعدي بن أرطاة أن ابعث إلي بفضل الأموال التي قبلك من أين دخلت.."[64].
وهذه نماذج لطريقة مراقبة الأداء الحكومي في تلك العهود الإسلامية الأولى، والتي تعتبر أنموذجا للدولة المسلمة التمسكة بتعاليم دينها.
الصفات اللازمة في من يقوم بالعملية الرقابية:
أولا: كثرة المراقبين وانتشارهم واستعمال عنصر المفاجأة في العملية الرقابية:
حتى تكون الجولات التفتيشية فعالة ومؤتية ثمارها، لا بد من أن تكون على أسس مدروسة. ونجد في وصايا وكتب الخلفاء الراشدين بعض الإشارات إلى مهارات الجولات التفتيشية. فقد كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه في مسيره بالجيش لقتال الروم قال:" وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك،فمن وجدته غفل عن محرسه فأدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسرهما لقربها من النهار"[65].
ثانيا: الشجاعة في اتخاذ القرارات:
كما تعتبر الشجاعة عند اتخاذ القرارات من أهم ما يميز المراقب الناجح من غيره، وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى هذا فقد أرسل محمد بن مسلمة في مهمة إلى العراق ثم رجع ففني زاده قبل أن يصل إلى المدينة لأنه لم يقبل من أحد زادا، فأخذ يأكل من لحاء الأشجار حتى تغير وجهه وجسمه فلما علم عمر بذلك قال له: " هلا قبلت من سعد- أي ابن أبي وقاص؟ قال: لو أردتَّ ذلك كتبت له به أو أذنت له فيه، فقال عمر:" إن أكمل الرجال رأيا من إذا لم يكن عنده عهد من صاحبه، عمل بالحزم أو قال به ولم ينكل"[66]، يشير إلى خطأ أن ينتظر القائم بالأعمال الرقابية التوجيه ممن فوقه في كل الأمور.
ثالثا: عدم الاهتمام بالمخالفات اليسيرة جدا:
وليس من المستحسن ممن يقوم بالعملية الرقابية أن يدقق في الأشياء اليسيرة التي لا يخلو منها بشر، بل عليه أن يتغافل عن بعض الأشياء التي يحسن التغافل عنها، قال بعضهم : أكره المكاره في السيد الغباوة وأحب أن يكون عاقلا متغافلا كما قال ابو تمام:
ليس الغبي بسيد في قومه                 لكن سيد قومه المتغابي[67]
وإن كان الكمال في الموظف أن يحافظ على ممتلكات الدولة، ولا يستخدمها لمصلحته الخاصة ولو في الشيء اليسير، وفي قصة حماد بن زيد مثال يبين ضرورة الاهتمام بالأشياء اليسيرة فقد مر حماد بن زيد عندما كان صغيرا هو وأبوه على جدار فيه تبن فأخذ حماد عود تبن، فنهره أبوه وقال: لماذا؟ فقال حماد: يا أبتاه إنه عود تبن، فقال الأب: لو أخذ كل مارٍّ عود تبن هل يبقى في الجدار شيء؟[68].
وقد كان عمر بن عبدالعزيز يمارس رقابية مالية دقيقة، وهذا هو سر الرفاه الذي حصل للمسلين في عهده القصير، فقد قال لميمون – وهو معاون له-: ما هذه الطوامير التي تكتب فيها بالقلم الجليل، وتمد فيها وهي من بيت مال المسلمين؟ ( يقصد الصحائف التي يكتب فيها الأوامر والتوجيهات)،  فكانت كتبه شبرا أو نحوا من ذلك[69].
وعندما كتب له أبو بكر بن محمد بن حزم والي المدينة يطلب شمعا للإضاءة، رد عليه فقال:" لعمري لقد عهدتك يا ابن حزم وأنت تخرج من بيتك في الليلة الشاتية المظلمة بغير مصباح، ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم، ولقد كان في فتائل أهلك ما يغنيك ، والسلام". وكتب إلى ابن حزم مرة :" إذا جاءك كتابي هذا فأرق القلم ، واجمع الخط، واجمع الحوائج الكثيرة في الصحيفة الواحدة، فإنه لا حاجة للمسلمين في فضل قول أضر ببيت مالهم، والسلام عليك"[70].
وأرى أنه يجب على من يقوم بالعملية الرقابية أن يقدر الأشياء التي يتغاضى عنها، والمخالفات التي ينبه عليها ، والمخالفات التي يعاقب عليها أو يرفع فيها تقريرا بالمخالفة.
رابعا: السرية طريق النجاح:
كما ينبغي أن تكون بعض العمليات الرقابية سرية، وأن يكون المراقب غاية في الثقة والأمانة والعقل، فقد ورد في الحديث:" استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان"[71]. قال أشهب – وهو من كبار أصحاب مالك بن أنس رحم الله الجميع-: ينبغي للحاكم أن يتخذ من يستكشف له أحوال الناس في السر، وليكن ثقة مأمونا عاقلا[72].
خامسا: الحكمة في العملية الرقابية:
وأيضا لا بد أن لا يكون القائم بالعملية الرقابية والمهام التفتيشية حكيما في تصرفاته، بأن يعالج المشاكل بالأيسر فالأيسر ويستعمل معهم سياسة " شعرة معاوية "، قال معاوية رضي الله عنه : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قالوا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت إذا أرخوها مددتها وإذا مدُّوها جررتها [73].

سادسا: الرقابة على الحسنات قبل المخالفات:

وليس من العدل أن تكون الرقابة والجولات التفتيشية منصبة على البحث عن أوجه الخلل، بل هي عملية للنظر في سير العمل، فإن وجد المراقب موظفا أو عاملا يستحق التقدير فلا يغفل ذلك، وإلا فسيكون قدوم المراقب أمرا ثقيلا على جميع العاملين. وعليه أن يعجل مكافأة المحسن،  فقد ذكرت بعض كتب التراث قول بعض الحكماء : لا تغفل مكافأة من يعتقد لك الوفاء ويناضل عنك الأعداء فمن حرمته مكافأة مثله زهد في معاودة فعله [74]. وذكروا  عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو أردشير أنه قال: على الملك أن يأخذ نفسه بثلاث :

·  تعجيل مكافأة المحسن على إحسانه فإن في ذلك شحذ الضمائر على الطاعة،

· وتأجيل عقوبة العاصي على عصيانه، فإن في ذلك إمكان العفو والإقالة ومراجعة التوبة والندامة ،

· والأناة عند طوارق الدهر وحدثانه ، فإن في ذلك انفساح مذاهب الرأي والسياسة وإيضاح غوامض السداد والإصابة[75]

وتأجيل عقوبة العاصي بأن لا يعاقب إلا بعد التوجيه الشفهي ثم الإنذار الكتابي، ثم العقوبة. وبعض الأخطاء الكبيرة أو الحساسة تستلزم أن يعاقب المتسبب فيها دون إنذار، والمسألة تقديرية.

  الرقابة الإدارية في القانون الإداري الحديث:
يسمى هذا النوع من الرقابة التي سبق ذكر نماذج منها في علم الإدارة الحديث بالرقابة الإدارية، وهي الرقابة التي يمارسها الجهاز الإداري للدولة على نفسه، سواء كانت الرقابة داخل المنظمة الإدارية أو من السلطة المركزية. إذن فهي نوعان:
·       رقابة داخلية، وهي التي يمارسها رئيس المنظمة الإدارية أو مديرها على موظفيه.
·       رقابة خارجية، وهي التي تمارس من السلطة الإدارية المركزية، ويطلق عليها البعض بالوصاية الإدارية[76].
كما تعرف الرقابة الإدارية بأنها تلك الرقابة التي تقوم بها السلطة بواسطة أحد الأجهزة الإدارية، سواء أكانت من نفس الجهاز أو من جهاز خارجي كديوان الرقابة العامة في المملكة العربية السعودية[77].
والرقابة الإدارية تنصب على جوانب المشروعية فقط، أي هل الإجراء المتخذ نظامي أم لا[78].
الفصل الثالث : رقابة الجمهور
توسيع مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يوجد قصور في فهم كثير من الناس في قصر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على منكرات معينة، بينما خيانة الأمانة واستغلال النفوذ وغيرها من المنكرات الوظيفية قد تكون أعظم لتعلق حقوق الناس بها، ولكونها ذنوبا متعدية. وفي القرآن كثير من الآيات التي تنبه إلى ضرورة الاهتمام بهذا الشعيرة، ومنها:
1.    {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
2.    {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }آل عمران110
3.    {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71
4.    {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }لقمان17
5.    {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ{78} كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ{79} المائدة 78-79.
6.    {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود 117.
7.    {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} الأعراف 165.
وفي الأحاديث النبوية نجد ما يؤكد هذا المبدأ الإسلامي فمن تلك التوجيهات:
1.  روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي e قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا[79].
2.    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله e يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم
3.    وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله e قال ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم.
4.    وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال بايعنا رسول الله e على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.رواه البخاري ومسلم
5.    وعن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي الأحمسي أن رجلا سأل النبي e وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال كلمة حق عند سلطان جائر.رواه النسائي بإسناد صحيح.
تحتم نصرة المظلوم:
وأخذ الحق للمظلوم من ظالمه أمر واجب، كما في الحديث:" إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي، وهو غير متعتع"[80].
الرقابة على الحاكم أو المسؤول الكبير:
الرقابة على تصرفات الحاكم أمر واجب على الأمة على الكفاية، وعدم وجود من يقوم بهذا الواجب نذير خطر على الجميع، ووجود المصلحين صمام أمان للمجتمع، ولذا كان الخلفاء الراشدون يبدؤون حكمهم بطلب التقويم عند الخلل والخطأ، فقد روى ابن إسحاق خبر تولي الصديق وأنهم لما بايعوه تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فأني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني[81].
وأما عمر فكانت خطبته الافتتاحية لخلافته مركزة على علاقة الحاكم بالمحكوم ومما جاء فيها:" وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم.."[82].
 وهذا ما جعل معاوية رضي الله عنه يختبر الناس في هذا الجانب، فقد روى الطبراني في الكبير من طريق أبي قبيل أنه يأثر عن معاوية بن أبي سفيان أنه صعد المنبر يوم الجمعة فقال عند خطبته إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن شاء أعطيناه ومن شئنا منعناه فلم يجبه أحد فلما كان الجمعة الثانية قال مثل ذلك فلم يجبه أحد فلما كان الجمعة الثالثة قال مثل مقالته فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال كلا إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا فنزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله فقال القوم هلك الرجل ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير فقال معاوية للناس إن هذا الرجل أحياني أحياه الله سمعت رسول الله e يقول سيكون أئمة من بعدي يقولون ولا يرد عليهم يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة وإني تكلمت أول جمعة فلم يرد علي أحد فخشيت أن أكون منهم ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد علي أحد فقلت في نفسي إني من القوم ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فرد علي فأحياني أحياه الله[83]. ولا يقر الإسلام تغيير الخطأ بالتمرد العسكري كما قال الرجل، ولكن المنهج الشرعي هو إنكار المنكر بالقول والوسائل الشرعية.
تعيين المساعدين الذين يعينون على الرقابة:
دأب القادة الناجحون من الخلفاء وغيرهم على حث الناس أن يمارسوا الرقابة على تصرفاته حتى لا تزل قدمه بقرار متعجل أو تصرف خاطئ يورث الندم والحسرة، ولذلك فإن من توفيق الله لصاحب المنصب أن يكون من معه في العمل من أهل الصلاح، ففي صحيحا البخاري عن أبي سعيد مرفوعا:" ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالخير، وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء، وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه الله"[84]، وقوله صلى الله عليه وسلم:( من ولي من أمر الناس فأراد الله به خيرا جعل معه وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه )[85]. ولذا فقد كان هذا المعيار هو طريق القرب من الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز، فقد قال مرة:" من أراد أن يصحبنا فليصحبنا بخمس: يوصل إلينا حاجة من لا تصل إلينا حاجته، ويدلنا من العدل إلى ما لا نهتدي إليه...ومن لم يفعل ذلك فهو في حرج من صحبتنا والدخول علينا"[86].
تقريب كبار الناس لكونهم أشجع على النقد:
ولأن الرقابة والنقد من كبار المجتمع أولى بالاهتمام من غيره ، فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: بلغني أنك تأذن للناس جما غفيرا، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القرآن والتقوى والدين فإذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة"[87].  ورقابة البرلمانات ومجالس الشورى قد تكون من هذا القبيل.
وكان خلفاء العدل يفرحون بقرب الفقهاء والعلماء وكبار الناس لأنهم يصوبونهم ويبذلون النصح لهم، فقد قام أبو مسلم الخولاني وقال لمعاوية رضي الله عنه: يا معاوية، لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفريقه، إنما الخلافة القول بالحق، والعمل بالمعدلة، وأخذ الناس في ذات الله. يا معاوية، إنا لا نبالي بكدر الأنهار، إذا صفى لنا رأس عيننا. يا معاوية، إياك أن تميل على قبيلة من العرب، فيذهب حيفك بعدلك.ثم جلس. فقال معاوية: يرحمك الله يا أبا مسلم، يرحمك الله يا أبا مسلم[88].
وأما عمر بن عبدالعزيز فقد كتب لفقهاء المدينة ليراقبوا تصرفاته وتصرفات حكامه، وأن يبلغوه عن ما يحصل من تجاوزات، فمن كتم فقد استعدى الله عليه[89].
سياسة الباب المفتوح:
كما أن من أعظم صفات القائد الناجح أن يفتح صدره قبل بابه لمن هم تحت ولايته ليرفعوا تظلماتهم واقتراحاتهم ، وتسمى في العرف الإداري :"سياسة الباب المفتوح " ولا يعنينا الاسم بقدر ما يعنينا أن إغلاق الباب متوعد عليه في حديث عمرو بن مرة رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم : ( ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته ) [90]. وخطب عمر مرة في موسم الحج وبين يديه عماله، فمما قال لهم:"... ولا تغلقوا الأبواب دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم .."[91].
وكان عمر رضي الله عنه ينهى عماله أن يتخذوا لمجلس الإمارة بابا، فإذا خالف أحدهم فوضع بابا، فإن عمر يرسل مفتشه محمد بن مسلمة ليحرق الباب أمام الناس كما فعل مع سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن قرط رضي الله عنهما[92].
تشجيع الناس على الرقابة على أداء الحكومة:
وبلغ اهتمام أبي بكر الصديق بأمر الرقابة الأهلية أن يطلب من الناس أن يتقدموا بأي تظلم أو نقد ، فقد حج ونادى في أهل مكة خطيبا: هل من أحد يشكي ظلامة، أو يطلب حقا؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيرا، فرجع إلى المدينة قرير العين[93].
وأما عمر فقد كان يعقد اجتماعا بولاته في موسم الحج، ويستمع لشكاوى الناس ضد الولاة فينهيها في ذلك المكان الطاهر[94]. وكان يستشعر مسؤوليته أمام الله تعالى إذا علم بظلم فلم يغيره، فقد روى ابن سعد عنه أنه قال:" أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغتني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته"[95].
وكذا فعل عثمان رضي الله عنه فقد كتب لأهل مصر:" أما بعد، فإني آخذ عمالي بموافاتي كل موسم، وقد رفع إلي أهل المدينة أن أقواما يشتمون ويضربون فمن ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم يأخذ حقه حيث كان مني أو من عمالي، وتصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين"[96].
وأما عمر بن عبدالعزيز فقد بدأ خلافته بخطبته الشهيرة التي أعقبها بنداء عام:" من كانت له مظلمة فليرفعها"[97].
فن الاستماع للجمهور:
ولا يغفل فن الاستماع للشكوى والتظلمات، وهو من الآداب النبوية،  ولما عاب المنافقون النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستمع لكل أحد ولو كان من عامة الناس أنزل الله عز وجل قوله تعالى {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة61. ففن الاستماع من صفات القائد الناجح.
مكافأة لمن يقدم اقتراحا أو يرفع مظلمة:
ووصل اهتمام الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله بالرقابة الشعبية، أن وضع مكافأة لمن يدل على خلل في الدولة أو فساد. فقد كتب لأهل الموسم ( أي الحجاج في مكة): أما بعد، فأيما رجل قدم علينا في رد مظلمة، أو أمر يصلح الله به خاصا أو عاما، من أمر الدين، فله ما بين مائة دينار إلى ثلاثمائة دينار، بقدر ما يرى من الحسبة وبعد الشقة، رحم الله امرءا لم يتكاأده بُعد سفرٍ (أي يشق عليه لبعده)، لعل الله يحيي به حقا أو يميت به باطلا، أو يفتح به من ورائه خيرا..."[98]. وكذا فعل عبدالرحمن بن معاوية بن حديج عندما كان قاضيا فقد وضع مكافأة لمن يكشف عن أموال اليتامى الغائبة، وذلك سنة 86هـ مما حفظ أموال تلك الفئة الضعيفة من جشع الأولياء[99].
طرد المتملقين المداحين:
لا تخلو منشأة من المتملقين ، الذين يصعدون على الأكتاف، وهم والله أساس البلاء في كثير من المنظمات والمنشآت. وقد روى مسلم أن رجلا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل يحثو في وجهه الحصباء فقال له عثمان ما شأنك فقال إن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال إذا   رأيتم المداحين  فاحثوا في وجوههم التراب[100]. وللأديب الفقيه ابن حزم عبارات غاية في الجمال والحكمة، في التحذير من الفرح بالمدح، فمما يناسب ذكره:
·                أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك لأنه نبه على نقصك وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك لأنه نبه على فضلك ولقد انتصر لك من نفسه بذلك وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة.(الأخلاق والسير /45).
·                وليس في الرذائل أشبه بالفضائل من محبة المدح ودليل ذلك أنه في الوجه سخف ممن يرضى به وقد جاء في الأثر في المداحين ما جاء إلا أنه قد ينتفع به في الإقصار عن الشر والتزيد من الخير وفي أن يرغب في ذلك الخلق الممدوح من سمعه. ولقد صح عندي أن بعض السائسين للدنيا لقي رجلاً من أهل الأذى للناس وقد قلد بعض الأعمال الخبيثة فقابله بالثناء عليه وبأنه قد سمع شكره مستفيضاً ووصفه بالجميل والرفق منتشراً فكان ذلك سبباً إلى إقصار ذلك الفاسق عن كثير من شره.(الأخلاق والسير /50).
·                لا يسرك أن تمدح بما ليس فيك بل ليعظم غمك بذلك لأنه نقصك ينبه الناس عليه ويسمعهم إياه وسخرية منك وهزؤ بك ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل. ولا تأس إن ذممت بما ليس فيك بل إفرح به فإنه فضلك ينبه الناس عليه ولكن إفرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح وسواء مدحت به أو لم تمدح واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم وسواء ذممت به أو لم تذم.(الأخلاق والسير /53).
·                إياك والامتداح فإن كل من يسمعك لا يصدقك وإن كنت صادقاً بل يجعل ما سمع منك من ذلك في أول معايبك. وإياك ومدح أحد في وجهه فإنه فعل أهل الملق وضعة النفوس وإياك وذم أحد لا بحضرته ولا في مغيبه فلك في إصلاح نفسك شغل.(الأخلاق والسير /85).
مع عمر بن عبدالعزيز في تحقيق إداري:
وذكر الطبري قصة طريفة، فيها عبرة، وهي تحكي طريقة عمر بن عبدالعزيز في الرقابة على أعمال الدولة فقد كتب الجراح بن عبدالله والي خراسان إلى عمر بن عبدالعزيز خليفة المسلمين وأوفد وفدا رجلين من العرب ورجلا من الموالي من بني ضبة فتكلم العربيان والآخر جالس فقال له عمر أما أنت من الوفد قال بلى قال فما يمنعك من الكلام قال يا أمير المؤمنين:
1-      عشرون ألفا من الموالي يغزون بلا عطاء ولا رزق.
2-      ومثلهم قد أسلموا من أهل الذمة يؤخذون بالخراج.
3-       وأميرنا عصبي جاف يقوم على منبرنا فيقول أتيتكم حفيا وأنا اليوم عصبي والله لرجل من قومي أحب إلي من مائة من غيرهم وبلغ من جفائه أن كم درعه يبلغ نصف درعه.
4-       وهو بعد سيف من سيوف الحجاج قد عمل بالظلم والعدوان.
 فقال عمر إذن مثلك فليوفّد. وكتب عمر إلى الجراح انظر من صلى قبلك إلى القبلة فضع عنه الجزية فسارع الناس إلى الإسلام فقيل للجراح إن الناس قد سارعوا إلى الإسلام وإنما ذلك نفورا من الجزية فامتحنهم بالختان. فكتب الجراح بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر إن الله بعث محمدا  صلى الله عليه وسلم داعيا ولم يبعثه خاتنا.
وقال عمر ابغوني رجلا صدوقا أسأله عن خراسان فقيل له قد وجدته عليك بأبي مجلز فكتب إلى الجراح أن أقبل واحمل أبا مجلز وخلف على حرب خراسان عبد الرحمن بن نعيم الغامدي وعلى جزيتها عبيد الله أو عبد الله بن حبيب.     فخطب الجراح فقال يا أهل خراسان جئتكم في ثيابي هذه التي علي وعلى فرسي لم أصب من مالكم إلا حلية سيفي ولم يكن عنده إلا فرس قد شاب وجهه وبغلة قد شاب وجهها فخرج في شهر رمضان، واستخلف عبد الرحمن بن نعيم فلما قدم قال له عمر متى خرجت قال في شهر رمضان قال قد صدق من وصفك بالجفاء هلا أقمت حتى تفطر ثم تخرج[101]. وبتحليل هذا الخبر نجد فيه:
1-      أن عمر شجع الشاكي على الحديث، وأثنى على نصحه بقوله: مثلك فليوفد.
2-      أن الأخطاء التي وقعت من الجراح لم يتأثر بها كلها المولى الشاكي، فإنه ذكر ظلمه لمن أسلم من أهل الذمة، وتقديمه لقومه، ومجاهرته بذلك.
3-      كيف تؤثر بطانة السوء على القرار الإداري، ويعملون على تعطيله. حيث أنهم خشوا أن يقل خراج الجزية، بإسلام الذميين.
4-      أهم صفات المفتش الإداري، والمراقب التنفيذي الصدق.
5-      طلب عمر من جلسائه ترشيح رجل يقوم بمهمة الرقابة تدل على وجوب اختيار الأفضل، وأهمية الاستشارة في ذلك.
6-      خلو ذمة الجراح من الثراء بسبب المنصب.
7-      على القائد ألا يشق على من يقوم بالتحقيق معه بأن يستعجله في القدوم بحيث يأتي، وهو في غاية الإجهاد والتعب.
أبو يوسف يوصي المنصور بالاهتمام بالرقابة الشعبية
ويحث أبو يوسف القاضي، الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور على الاهتمام بالرقابة الشعبية ومظالم الناس فيقول:" فلو تقربت إلى الله عز وجل، يا أمير المؤمنين، بالجلوس لمظالم الرعية في الشهر أو الشهرين مجلسا واحدا تسمع فيه من المظلوم وتنكر على الظالم... حتى يسير ذلك في الأمصار والمدن، فيخاف الظالم وقوفك على ظلمه فلا يجترئ على الظلم، ويأمل الضعيف المقهور جلوسك ونظرك في أمره فيقوى قلبه ويكثر دعاؤه"[102].
الرقابة على الحكومات في علم الإدارة الحديث:
قد يكون أقرب مفهوم لرقابة الجمهور في القانون الإداري الحديث هو مفهوم الرقابة السياسة، وهي الرقابة التي يمارسها الشعب عن طريق المجالس المنتخبة أو الأحزاب والتنظيمات السياسية أو المنظمات الأهلية أو أفراد الشعب منفردين. ويكون عادة بثلاث طرق:
الطريق الأول: تقديم الأسئلة والاستجواب، ومناقشة الأداء والميزانية، ونحو ذلك. وتكون عن طريق المجلس النيابي أو مجلس الشورى.
الطريق الثاني: رقابة الأحزاب والتنظيمات السياسية، وذلك في الأنظمة المتعددة الأحزاب، فتلجأ الأحزاب المعارضة إلى البحث عن الأخطاء والثغرات ونشرها ومناقشتها في البرلمان أو الصحف أو عن طريق الندوات والمظاهرات في البلاد التي تسمح بذلك.
الطريق الثالث: رقابة الرأي العام، وهم المواطنون، فإذا رأى مواطن خللا ما فإنه يسعى لإصلاحه بالطرق المشروعة[103]. وهي المقصودة بالرقابة الأهلية والشعبية ورقابة الجمهور.
وفي الحقيقة فإن القانون الإداري الحديث لم يعط رقابة الجمهور أهمية كما هو الحال في النظرية الإسلامية، وعادة ما تكون موضوع الرقابة السياسية داخل في القانون الدستوري، وقد اقتصر الدكتور هيكل عند تطرقه للرقابة السياسية على أن وسائلها ثلاث وهي السؤال والاستجواب والتحقيق البرلماني. فالدول التي لا يوجد فيها برلمان، فإن هذا النوع من الرقابة غير مفعل فيها، ولذا يطلق عليها: الرقابة البرلمانية[104].
وقد حرصت الدول المتقدمة مؤخرا على الاهتمام بالرقابة الأهلية ( Watch groups) ، ومن تلك الدول بريطانيا التي استحدثت عقد المواطن (Citizen Charter)، والذي يقوم بتوعية المواطن أن المؤسسات العامة ملك له، ولا تكون علاقته بها علاقة المستفيد، بل علاقة المالك الذي يحرص على ملكه أشد الحرص، وهذا ما دعت إليه دراسة صادرة عن الأمم المتحدة (United Nations, 1990)[105].
ومما ينمي الرقابة الشعبية، نزاهة وسائل الإعلام وحياديتها، ولذا يسميها البعض السلطة الرابعة، وكم رأينا من فضيحة إدارية اكتشفت، من خلال الصحافة، وكم عولج من فساد إداري بسبب مقال أو تحقيق أو صورة معبرة والشواهد لا تحصى.
.


الفصل الرابع : تفعيل الرقابة وإنجاحها في القضاء على الفساد الإداري
القدوة من كبار الموظفين لمن تحت سلطتهم:
من أهم ما يسهل العملية الرقابية، أن يكون كبار الموظفين قدوة لمن دونهم، وأعظم القدوات نبينا صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى:" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.." (الأحزاب : 21)، فهو قدوة للقائد المسلم في زهده في المال، والعدل والحزم والرحمة، وقدوة للمقاتل في الشجاعة والتخطيط وتدبير الحروب، وقدوة للقاضي في سير القضايا ومراعاة العدل في الأحكام، وقدوة للمعلم في صبره وتأنيه وحسن تعلينمه، وصدق القائل:
هو البحر من أي النواحي أتيته                فلجته المعروف والجود ساحله.
وقد سار كبار أصحابه على تلك القيم الفضلى والمثل العليا ، ومن أعجب ما يروى في ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت:" لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ماذا في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه ، وإذا ناضح ( بعير للسقيا) كان يسقي بستانا له، فبعثنا إلى عمر رضي الله عنه وقال: رحمة الله على أبي بكر، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا"[106].
وتروي لنا كتب التاريخ أنه لما حملت مغانم العراق بعد فتحها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورأى ما فيها من الجواهر جعل يتعجب ويقول: إن الذي أدى هذا لأمين، فقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: أنا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين أنت أمين الله وهم أمناؤك فما دمت مؤديا للأمانة أدوها ومتى رتعت رتعوا [107]. وكما هو معلوم فإن أخلاق القائد تؤثر في من تحته وقد قيل : الناس على دين ملوكهم ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته إلى هرقل : ( فإن أبيت فإن عليك إثم الأريسيين)[108] أي الفلاحين .
ومن ورع عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وزهده أنه كان يوسع على عماله في النفقة، ويشدد على نفسه، فيعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار. وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين، فقيل له: لو أنفقت على عيالك ، كما تنفق على عمالك؟ فقال: لا أمنعهم حقا لهم، ولا أعطيهم حق غيرهم"[109].
سرعة القرار المترتب على الرقابة:
لا يعقل أن تتكلف المنشأة أموالا وجهدا للرقابة بأنواعها ثم لا يترتب على ذلك شيء، أو يصدر قرار متأخر. ونجد الإداري الفذ خليفة المسلمين عمر بن عبدالعزيز لما تحقق من وجود خلل في والي البصرة كتب إليه:"أما بعد: فإنك غررتني بعمامتك السوداء، ومجالستك القراء، وإرسالك العمامة من ورائك، وإنك أظهرت لي الخير، فأحسنت بك الظن، وقد أظهر الله ما كنتم تكتمون. والسلام"[110].
وقد يكون التوبيخ والتحذير طريق اعتدال الوالي المرتكب للمخالفة، فقد كتب عمر بن عبدالعزيز لأحد عماله:" لقد كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما عدلت وإما اعتزلت"[111].
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله على خراسان:" إنه بلغني أنك استعملت عبدالله بن الأهتم وإن الله لم يبارك لعبدالله بن الأهتم في العمل، فاعزله، وإنه على ذلك لذو قرابة لأمير المؤمنين. وبلغني أنك استعملت عمارة، ولا حاجة لي بعمارة، ولا ضرب عماره، ولا برجل قد صبغ يده في دماء المسلمين، فاعزله"[112].

الوعي الوظيفي:

من الضروري أن تنشر التوعية الوظيفية بين العاملين، ببث المبادئ الإدارية حتى لا يقعوا في الأخطاء. ومن أهم تلك المبادئ أن يحرص على جودة العمل أكثر من حرصه على سرعة إنهائه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن"[113]،وقد ذكر ابن هذيل في كتابه ( عين الأدب والسياسة) عن بعض السلف أنه قال: لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ منه وإنما يسألون عن جودة صنيعه[114].

تعيين الكفء الأمين :
وأما في التعيين الإداري فلا بد أن يكون معيار التعيين في المنصب الإداري هو الكفاءة، بأن يكون أمينا ذا صلاح وتقوى، وصفة الأمانة أحدى ركني الولاية ولذلك جاء في التنزيل:" إن خير من استأجرت القوي الأمين"(القصص :26)  وفي سورة يوسف(آية 55):" اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" وفي حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران:" لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين، قال: فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه"[115]. فإن وجد رجل أمين في ضعف ورجل إداري قوي وليس بأمانة الأول فقال شيخ الإسلام:" إذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين مثل حفظ الأموال ونحوها.."[116]، والأمانة مرتبطة بالتقوى والصلاح الذي هو أهم شروط المنصب.
تقديم ذوي الخبرة:
ولا بد أن يكون المعين في المنصب ذا خبرة وتجربة ، قال قيس بن عاصم لبنيه :" إذا مت فسودوا أكبركم فإن القوم إذا سودوا أكبرهم أحيوا ذكر أبيهم، ولا تسودوا أصغركم فيسفه الناس كباركم وتهونون عليهم..."[117]. وقال علي رضي الله عنه : رأي الشيخ خير من مشهد الغلام[118]. وإن كان الصغير مؤهلا فيقدم للقيادة فقد قال الشاعر في محمد بن القاسم فاتح بلاد السند وهو ابن سبع عشرة سنة:

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة                 ولداته إذ ذاك في أشغال

قعدت بهم لذاتهم وسمت به               همم الملوك وسَوْرة الأبطال[119]

وقال آخر :
لا تعجبوا من علو همته          وسنه في أوان منشاها
إن النجوم التي تضيء لنا                 أصغرها في العلو أعلاها[120]
والمقصود هنا أن يتم اختيار من يحسن العمل وهذا يكثر في ذوي الأسنان، وقد يوجد في الأحداث من هو أفضل من كثير ممن هو أعلى منه سنا فقد قال علي رضي الله عنه:" قيمة كل امرئ ما يحسنه"[121].

الاختبار ثم الاختيار:

ومن الخطأ تعيين أحد في منصب قبل اختباره، قال علي رضي الله عنه:" الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز"[122]. ويكون الاختبار بطرق أربعة:

1.    بالمقابلة الشخصية أي بالاختبار الشفهي.

2.    بالاختبار التحريري.

3.    بالاختبار العملي، كما إذا كانت الوظيفة مهنية.

4.    بالتجربة لمدة معينة، كأن يعمل ثلاثة أشهر بمكافأة مالية تحت الاختبار وقبل توقيع أي التزام تعاقدي.

تحديد الأجرة (=المرتب):
ومن أعظم ما يمنع الفساد الإداري، إعطاء الموظف حقوقه المالية أولا بأول وتأكيدا لذلك المبدأ يقول صلى الله عليه وسلم:" أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"[123].
كما أن تناسب المرتب مع حساسية الوظيفة وأهميتها أمر لا ينبغي إغفاله، لأن الاستقرار العائلي والمالي للموظف له أثره البالغ في أداء الموظف. ولذا قال صلى الله عليه وسلم:" من كان لنا عاملا ، فلم يكن له زوجة، فليكتسب له زوجه، فإن لم يكن له خادم، فليكتسب له خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا، ومن اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق"[124]. وهذا هو الاتجاه الحديث لكثير من الشركات الناجحة ، وذلك بتقديم المساعدات للموظفين على شكل قروض حسنة لتوفير المسكن وغيره من متطلبات الحياة. وقال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما راجعه في تولية الصحابة في الولايات العامة:" أما إذا فعلت فأغنهم بالعمالة ( أي بالأجر الجزيل) عن الخيانة"[125]. ومن حكمة عمر بن عبدالعزيز أنه كان يوسع على عماله في النفقة، يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار. وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين، فقيل له: لو أنفقت على عيالك ، كما تنفق على عمالك؟ فقال: لا أمنعهم حقا لهم، ولا أعطيهم حق غيرهم"[126].
لا للازدواج بل تفرغ تام للعمل:
ومن الأسباب التي تساعد على الضبط الإداري، التفرغ التام للعمل، وعدم الانشغال بأعمال أخرى من تجارة أو غيره، ولعظم هذا الأمر فقد كتب عمر بن عبدالعزيز كتابا إلى عماله:" نرى أن لا يتجر إمام، ولا يحل لعامل تجارة في سلطانه الذي هو عليه، فإن الأمير متى يتجر، يستأثر ويصيب أمورا فيها عنت، وإن حرص أن لا يفعل"[127].

المشورة:

أن يكثر المشورة ، وذلك استجابة لقوله تعالى:" وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله"[128]،وفي وصف أهل الإيمان يقول تعالى:"وأمرهم شورى بينهم".

ولا يعني هذا أن يستشير جميع من تحته بل يختار منهم من هو أهل للاستشارة، ويدل على هذا حديث ميمون بن مهران أن أبا بكر الصديق كان إذا ورد عليه أمر ولم يجده في الكتاب والسنة دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم وكان عمر يفعل ذلك[129]. وقال ابن عباس: كان القراء- يعني أهل العلم- أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا[130].

وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما قصة قدوم عمر للشام وأنه لما أخبر بوقوع الطاعون بها دعى المهاجرين الأولين فاستشارهم .."[131]. ولما بعث عمر رضي الله عنه جيشا إلى العراق وأمر عليهم أبا عبيدة الثقفي أمره أن يستشير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يستشير سليط بن قيس فإنه رجل باشر الحروب"[132].قال ابن المعتز : من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطأ عاذرا [133]. وعليه أن يستخدم الأسلوب الأمثل في المشورة ؛ فقد ذكر الجهشاري أن سابور ذا الأكتاف وهو من ملوك الفرس استشار وزيرين كانا له في أمر من أموره فقال أحدهما : لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا فإنه أموت للسر وأحزم في الرأي وأدعى إلى السلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض ، لأن الواحد رهن بما أُفضي إليه وهو أحرى ألا يظهره رهبة للملك ورغبة إليه ، وإذا كان عند اثنين مظهر ؛ دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض ، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد وإن اتهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم وإن عفا عنهما عفا عن واحد لا ذنب له وعن الآخر والحجة عليه [134]. وعليه أن يقصد الكبار وذوي الخبرة في الاستشارة ، قال علي رضي الله عنه : ( رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ) [135]. وقد يكون عند صغار السن ما لا عند غيرهم لحدة عقولهم ، وقد كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول :" لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم " [136].

علاج البيروقراطية بتوسيع نطاق اللامركزية:
وكما هو معلوم فإن للبيروقراطية مساوئ أبرزها إطالة المدة بين القرار الإداري وتنفيذه، وقد عالجه عمر بن عبدالعزيز بكتابة إلى عروة بن محمد – وكان عاملا على اليمن-:" أما بعد، فإني أكتب إليك آمرك أن ترد على المسلمين مظالمهم، فتراجعني، ولا تعرف بعد المسافة ما بيني وبينك، ولا تعرف أحداث الموت، حتى لو كتبت إليك أن اردد على مسلم مظلمة شاة، لكتبت : أرددها عفراء أو سوداء!، فانظر أن ترد على المسلمين مظالمهم، ولا تراجعني"[137]. وقد كان عمر بن عبدالعزيز حريصا على سرعة القرار الإداري، فلذا كان يحرص ولاته على البت في المواضيع، وعندما كتب له عدي بن أرطاة في أمر شرعي كتب له عمر:"أما بعد، فإنك لا تزال تعني إلي رجلا – أي تتعبه- من المسلمين في الحر والبرد، تسألني عن السنَة، كأنك إنما تعظمني بذلك، وايم الله لحسبك بالحسن- أي البصري- ، فإذا أتاك كتابي هذا فسل الحسن لي ولك وللمسلمين..."[138].
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد:
ومن أسباب الضبط الإداري التزام مبدأ: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وقد رأى رجل عمر بن عبدالعزيز وقد أصابه الجهد من كثرة العمل، فقال له: يا أمير المؤمنين، لو تروحت وركبت. قال: كيف لي بعمل ذلك اليوم؟ قلت: يكون في اليوم الذي يليه؟ قال: حسبي عمل يوم في يومه، فكيف بعمل يومين في يوم..."[139].
تجديد الدماء في المنصب الإداري:
ومن الأساليب الناجحة في تقوية الضبط الإداري أسلوب تدوير القيادات الإدارية، والذي استخدمه الخلفاء المسلمون على مر العصور وأثبتت النتائج إيجابيته في علاج الفساد الإداري، وكشف أية خرق في النظام من قبل المدير السابق[140].
وبن الأفضل أن لا يطيل في المنصب القيادي حتى تتجدد الدماء ، وهو ما يطلق عليه الآن بضرورة تداول المنصب، وتحديدها بفترة معينة، وقد قال أبو حنيفة رحمه الله بضرورة توقيت ولاية القضاء بسنة لسببين:
·       حتى لا ينشغل عن تحصيل العلم
·       وحتى لا يتعرض للفتنة والغرور[141].




الخاتمة
بعد هذا التطواف الشيق في تراثنا الإسلامي المشرف وتاريخنا الحافل يمكن أن نستخلص النتئج التالية:
1.  أن لدينا حضارة إدارية عظيمة تحتاج إلى من يستكشفها ويحسن إبرازها لتنبين أننا أمة لم نكن منحصرين في العلوم النظرية والتطبيقية من طب وغيره، بل ولدينا تفوق عظيم في علوم الإدارة والقيادة.
2.    أن من أهم ما يميز النظرية الإدارية الإسلامية تفعيل مفهوم الرقاة الذاتية وتقوية الضمير في حس الموظف والعامل.
3.    أن مفهوم الرقابة الإدارية نابع من المسؤولية الدينية للمدير أو القائد، وهذا ما يجعله يتقن العلملية الرقابية.
4.    أدركنا كيف فعل الإسلام الرقابة الشعبية وجعلها من الواجبات الكفائية، تأثم الأمة جميعها إذا لم يقم أحد لهذه الرقابة.
5.  لاحظنا كيف حرص ولاة المسلمين وخلفاؤهم على المشاركة الشعبية في عملية الرقابة لدرجة أن يضع أحدهم جائزة مالية لمن يشارك بفعالية في الرقابة.
6.  كما تم التركيز على أن الرقابة أداة من أهم أدوات النجاح الإداري، وليست كل شيء، ولذا فالنجاح له عدة أركان ووسائل متداخلة نبهنا على بعض ما يكافح الفساد الإداري ويحقق للمنظومة الإدارية النجاح والتميز.
وفي خاتمة هذا البحث أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يدخل في حديث:" إن الله يحب إذا عمل أحدكم علملا أن يتقنه"، فاللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك. والحمد لله رب رب العالمين وصلى الله وسلم على السراج المنير والبشير النذير محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم المراجع
·   أخلاق العمل وسلوك العاملين- تأليف: د.فؤاد عبدالله العمر- نشر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية- الطبعة الأولى 1419هـ.
·   النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر بن عبدالعزي وتطبيقاته في الإدارة التربوية – تأليف محمد القحطاني- نشرته جامعة أم القرى سنة 1418هـ.
·       تاريخ الطبري –دار الكتب العلمية ببيروت – الطبعة الأولى سنة 1407هـ.
·   فضيلة العادلين من الولاة ومن أنعم النظر في حال العمال والسعاة لأبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) – تحقيق مشهور حسن سلمان – دار الوطن –الطبعة الأولى سنة 1418هـ.
·   الإدارة الإسلامية –دراسة مقارنة بين النظم الإسلامية والوضعية الحديثة- للدكتور فوزي كمال أدهم – دار النفائس ببيروت- الطبعة الأولى سنة 1421هـ.
·       الإدارة الإسلامية – المنهج والممارسة – للدكتور حزام المطيري –الطبعة الأولى سنة 1417هـ.
·       الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح الحنبلي –  تحقيق شعيب الأرناؤوط وعمر القيام.
·       الأدب المفرد للبخاري مع تعليقات الشيخ الألباني.
·       آراء شيخ الإسلام في الحكم والإدارة للدكتور سعد الفريان.
·       البداية والنهاية لابن كثير –تحقيق الدكتور عبدالله التركي – دار هجر.
·       تهذيب الرياسة للقلعي.
·       الدرر السنية من فتاوى أئمة الدعوة النجدية جمعها عبدالرحمن ابن قاسم.
·       السلسلة الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني – دار المعارف بالرياض.
·       السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
·       صحيح الجامع لمحمد ناصر الدين الألباني –المكتب الإسلامي ببيروت.
·       القانون الإداري السعودي للدكتور السيد خليل هيكل –نشرته جامعة الملك سعود بارياض – الطبعة الثالثة 1425هـ.
·       كتاب الكسب – محمد بن الحسن الشيباني- تحقيق عبدالفتاح أبوغدة- نشر: مكتب المطبوعات الإسلامية-الطبعة الأولى.
·       الكشاف الاقتصادي للأحاديث النبوية- لمحيي الدين عطية-الطبعة الأولى 1408هـ -دار البحوث العلمية –الكويت.
·       مفتاح السعادة لطاش كبري زادة
·       الوزراء والكتاب للجهشاري
·       رسالة الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
·       مشكاة المصابيح للتبريزي- تحقيق محمد ناصر الدين الألباني –المكتب الإسلامي.
·       الترغيب والترهيب للمنذري- تحقيق محيي الدين مستو ورفاقه- دار ابن كثير.
·       سير أعلام النبلاء للذهبي (ت 748هـ) –تحقيق شعيب الأرناؤوط ورفقائه – دار الرسالة – الطبعة التاسعة -1413هـ.
·       التراتيب الإدارية للكتاني.













[1] النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر بن عبدالعزيز /410 عن الإدارة للهواري /381.
[2] النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر بن عبدالعزيز /411 عن الإدارة في الإسلام للضحيان /127.
[3] الإدارة الإسلامية للدكتور أدهم /296.
[4] رواه الترمذي 2532 وقال: حديث حسن صحيح.
[5] رواه البخاري (50) ومسلم (8).
[6] رواه البخاري (893) وسلم (1829) واللفظ لمسلم .
[7]  رواه مسلم –مختصر صحيح مسلم:1207.
[8] صححه الألباني في صحيح الجامع(5571).
[9] رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/95 ، والدارمي 2/240 ، كما في المشكاة (1092)  وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب 2/139، ورواه البزار كما في كشف الأستار (1641) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/205: رجال البزار رجال الصحيح. وجود إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (349).
[10] الحسبة/147-148.
[11] رواه أبو داود 3/131 والبيهقي في الكبرى 6/361 كما في المشكاة (1094) .
[12]  رواه البخاري (6729)، والنسائي 7/162 (4211) وغيرهما .
[13] حسنه الألباني في صحيح الجامع (1433).
[14] رواه البخاري(6622) ومسلم كما في المختصر(1202).
[15] صحيح الجامع الصغير 5360.
[16] أخلاق العمل وسلوك العاملين /49-50.
[17]  رواه أبو نعيم في الحلية 2/425 وفي فضيلة العاملين من الولاة /165 رقم 45،نقله ابن تيمية في السياسة الشرعية /24.
[18] صحيح مسلم 1/126 (142).
[19] رواه البخاري (7150) و مسلم 4/493، واللفظ لمسلم. 
[20] صحيح الجامع 3278.
[21] رواه مسلم 6/7 .
[22] مختصر مسلم (1214) .
[23] صحيح الجامع 5899.
[24] صحيح البخاري 2260.
[25] صحيح الجامع 3996.
[26] رواه البخاري  6131.
[27] السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية /11-12.
[28] صحيح الجامع 4990.
[29] صحيح الجامع6898.
[30] صحيح البخاري 6578.
[31]  مختصر مسلم(1225).
[32] تهذيب الرياسة /121 ، شرح نهج البلاغة 3/32 ، ونسبه في الدرر السنية إلى بعض الحكماء 7/383 .
[33]  رواه البيهقي في الكبرى 8/167 ، سير أعلام النبلاء 3/232 ، تهذيب الرياسة /157 .
[34] نهاية الأرب 6/15 ، يتيمة الدهر 4/305 ، تهذيب الرياسة /155 .
[35] عيون الأخبار 1/22 ، نهاية الأرب 6/15 ، العقد الفريد 2/260 ، تهذيب الرياسة /153 .
[36]  نهاية الأرب 6/15 ، تهذيب الرياسة /153 .
[37] التبر المسبوك /85 ، مجمع الأمثال /467 ، تهذيب الرياسة /158 البداية والنهاية 15/352 طبعة دار هجر ونسبه ابن كثير وابن الجوزي في المنتظم 14/232 لأبي الفتح البستي وهو في ديوانه/106.
[38] صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني 170.
[39] مختصر صحيح مسلم 1794.
[40] صحيح الجامع 959.
[41] صحيح الجامع الصغير 3373.
[42] صحيح الجامع الصغير 178.
[43] أخلاق العمل /76 عن (United Nation, 1990:45-69).
[44] أخلاق العمل /81.
[45] أخلاق العمل /106.
[46]  رواه أبو داود (2608) عن أبي سعيد رضي الله عنه وأحمد وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 10/6648 ورواه الحاكم 1/443 وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[47]  رواه أحمد وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند10/6648.
[48] مجموع الفتاوى 28/65.
[49] تهذيب الرياسة /96 ، الشعر والشعراء /223 ، نهاية الأرب 3/64 ، التمثيل والمحاضرة /51 .
[50] تاريخ بغداد 4/108.
[51] صحيح البخاري 6578.
[52] التراتيب الإدارية 1/37.
[53] تاريخ الطبري 4/67.
[54] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي /56.
[55] الإدارة الإسلامية للدكتور أدهم /319.
[56] التراتيب الإدارية 1/269.
[57] روى وكيع في أخبار القضاة بسنده عن الكوثر ابن زفر؛ قال: قال أبو المختار، وهو جدي أبو أمي لعمر في عمال السواد في الشعر الذي وشي بهم إليه.
وشيل هناك المال وابـن مـحـرش

وذاك الذي في السوق مولى بني بدر

[58] عند البلاذري: أهلي.
[59] عند البلاذري: الهندي.
[60] التارتيب الإدارية 1/267.
[61] الإدارة الإسلامية /356عن السياسة الشرعية لابن تيمية /105 مطبعة دار الجهاد.
[62] مقتل الشهيد عثمان للمالقي –طبعة الدوحة بتحقيق محمود زايد /97.
[63] الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة للدكتور حزام المطيري /213.
[64] الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة للدكتور حزام المطيري /214.
[65] الكامل لابن الأثير 2/276.
[66]   تاريخ الطبري 4/47 عن أخلاق العمل /30.
[67] مفتاح السعادة لطاش كبري زادة / 145 .
[68]  ترجمة حماد بن زيد من سير أعلام النبلاء.
[69] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي /88.
[70] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن عبدالحكم /55.
[71] رواه الطبراني في الكبير 20/412، وغيره وحسنه الألباني لطرفه في السلسلة الصحيحة 3/436 رقم 1453.
[72] فتح الباري لابن حجر 13/190.
[73] عيون الأخبار 1/9 ، بهجة المجالس 1/345 ، العقد الفريد 1/18 ، وتهذيب الرياسة /131 .
[74] تهذيب الرياسة /172 ، الأمثال للثعالبي /47 .
[75] بهجة المجالس 1/338 ، نهاية الأرب 6/5 ، شرح نهج البلاغة 4/537 ، تهذيب الرياسة /122 .
[76] الإدارة الإسلامية للدكتور أدهم /307 عن أصول علم الإدارة لعبدالغني بسيوني /378.
[77] القانون الإداري السعودي /260.
[78] القانون الإداري السعودي /261.
[79] رواه البخاري 2361،
[80] صحيح الجامع 1853.
[81] البداية والنهاية 6/301، وقال ابن كثير: سنده صحيح.
[82] الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة للدكتور حزام المطيري /206.
[83] رواه الطبراني في الكبير 19/393 (925) ورجاله ثقات
[84] صحيح البخاري (7198).
[85] رواه أبو داود 3/131(2932) والنسائي 7/159  وصححه الألباني في الصحيحة (489).
[86] سيرة عمر بن العزيز لابن عبدالحكم /34، عن النموذج الإداري /348.
[87]  مجلة الاتصالات السعودية-34، قيم المديرين وأخلاقياتهم للدكتور إبراهيم الغفيلي.
[88] رواه أبو نعيم في الحلية 2/26 .
[89] الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة للدكتور حزام المطيري /214.
[90] رواه أحمد والترمذي كما في الصحيحة للألباني (629) وصححه الألباني .
[91] الإدارة الإسلامية للدكتور أدهم /314.
[92] الإدارة الإسلامية للدكتور أدهم/315 عن الإدارة في الإسلام لأحمد أبو سن /125.
[93] طبقات ابن سعد 3/187.
[94] التراتيب الإدارية 1/238.
[95] طبقات ابن سعد 3/305.
[96] الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة للدكتور حزام المطيري /211.
[97] أخبار عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي 104.
[98] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن عبدالحكم /117.
[99] أخلاق العمل /88 عن كتاب القضاة للكندي /325.
[100] رواه مسلم في صحيحه (3002).
[101] تاريخ الطبري( طبعة دار الكتب العلمية) 4/64.
[102] الخراج /254 عن أخلاق العمل /137.
[103] الإدارة الإسلامية للدكتور أدهم /304.
[104] القانون الإداري السعودي /258.
[105] أخلاق العمل /121.
[106] طبقات ابن سعد 3/192.
[107] تهذيب الرياسة /99 ، ونسب القول في الطبري 5/254 وغيره إلى علي رضي الله عنه .
[108] رواه البخاري 4/57 ومسلم 5/163 .
[109] عمر بن عبدالعزيز للحافظ ابن كثير /90.
[110] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي /121.
[111] النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر بن عبدالعزيز /413 عن مروج الذهب 3/196، ونسبت لغيره وهو أقرب لأن عمر لم يكن يستعمل السجع في مكاتباته.
[112] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي /105.
[113] حسنه الألباني في صحيح الجامع/1887.
[114]  مجلة الاتصالات السعودية-34، قيم المديرين وأخلاقياتهم للدكتور إبراهيم الغفيلي.
[115] متفق عليه واللفظ لمسلم، مختصر صحيح مسلم(1651).
[116] السياسة الشرعية 34.
[117]  رواه أحمد 5/61 ونسبه ابن حجر في الإصابة 3/253 إلى النسائي في الكبرى.
[118] رواه البيهقي في الكبرى 10/113 ، وأورده القلعي في تهذيب الرياسة /188 .
[119]  أورده القلعي في تهذيب الرياسة / 146 دون نسبة .
[120] تهذيب الرياسة / 146 دون نسبة.
[121]  تفسير القرطبي 6/69 عن أخلاق العمل للدكتور فؤاد العمر/28.
[122]  أخلاق العمل /31.
[123] صحيح الجامع 1066.
[124] صحيح الجامع 6362.
[125] أخلاق العمل /53.
[126] عمر بن عبدالعزيز للحافظ ابن كثير /90.
[127] سيرة عمر عبدالعزيز لابن عبدالحكم /83.
[128]  ال عمران/159.
[129] رواه البيهقي بسند صحيح كما في فتح الباري 13/342.
[130] رواه البخاري(7286).
[131] رواه البخاري(5729).
[132] البداية والنهاية 7/26.
[133] آداب ابن المعتز /99 ، تهذيب الرياسة /185 .
[134] الوزراء والكتاب للجهشاري /11.
[135]  رواه البيهقي في السنن الكبرى 10/113 ، تهذيب الرياسة /188 .
[136] رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله 1/85 .
[137] طبقات ابن سعد 5/381.
[138] حلية الأولياء 5/307، عن النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر بن عبدالعزيز /324.
[139] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي /225.                  
[140] أخلاق العمل /107.
 [141] لسان الحكم لابن الشحنة /4 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحياتي / محمود حموده :- سيتم مراجعة هذا التعليق قبل نشره خلال الـ 24 ساعة القادمة