حكم المحكمة الإدارية العليا :-شركات الاستثمار


بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
 بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة / اسماعيل عبد الحميد ابراهيم وعادل محمد زكى فرغلى وفريد نزيه تناغو وأحمد عبد العزيز أبو العزم نواب رئيس مجلس الدولة.
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعاء الموافق 12 من ابريل سنة 1989 أودع الأستاذ / محمد محمد شرين المحامى نيابة عن الشركة السعودية المصرية للاستثمار والتمويل قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجداولها تحت رقم 1712 لسنة 35 ق فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 28/2/1989 فى الدعويين رقمى 3397، 3463 لسن 39ق والقاضى بعدم قبول الدعويين لانتفاء المصلحة فيها بالنسبة لطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بوضع شروط على قبول الودائع وأحقيتها فى أن تعامل بالنسبة للضرائب على أساس قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 وبرفض طلب التعويض وإلزام الشركة المدعية المصروفات.
وطلبت الشركة الطاعنة للأسباب الموضحة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا.
أولا :- بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فرض قيود على نشاط الشركة فى توظيف الاموال على خلاف أحكام القانون رقم 43 لسنة 1974.
ثانيا:- إعفاء نشاط الشركة خلال الفترة المحددة آنفا من دفع الضرائب وفقا
ثالثا:- تعويض الشركة الطاعنة عما لحقها من أضرار نتيجة لصدور القرار المطلوب الغاؤه بتعويض مبدئى مقداره 101 جنيه مصرى.

وقدم الاستاذ المستشار على رضا مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضى الدولة فى الطعن الذى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بأحقية الشركة الطاعنة فى الإعفاء الضريبى متى توافرت أركانه وعدم التزامها بإجراء مخصص من الأرباح لمواجهتها، ورفض الطعن فيما عدا ذلك من طلبات وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7/1/1991 وتم تداول الطعن بالجلسات المذكورة والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضرها حتى قررت الدائرة بجلسة أول يوليو سنة 1991 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، حيث نظرت الطعن بجلسة 20/7/1991 والجلسات التالية حتى قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة السبت 26/10/1991 ثم أعيد الطعن إلى المرافعة لتغيير التشكيل وقررت إصدار الحكم بجلسة 22/3/1992 ثم تقرر مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 26/4/1992 ثم بجلسة 31/5/1992لاتمام المداولة صدر هذا الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسباب عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل – حسبما يتضح من الأوراق – فى أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 3397 لسنة 39ق أمام محكمة القضاء الإدارى” دائرة منازعات الأفراد والهيئات” بتاريخ 26/3/1985، كما أقامت الدعوى رقم 3463/39 ق بتاريخ 28/3/1985، وطلبت فى ختام الدعويين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من الهيئة العامة للاستثمار بوقف نشاط الشركة فى قبول القروض المتخذة شكل ودائع نقدية ووضع قيود على النشاط المذكور، ووقف قرار الهيئة الصادر بتاريخ 26/1/1985 بعدم تحويل أرباح الجانب السعودى فى الشركة، وفى الموضوع بإلغاء القرارين مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها أحقية الشركة فى تحويل أرباح الجانب السعودى فى رأسمالها وفقا للقواعد المنظمة لتحويل الارباح، وأحقيتها فى أن تعامل بالنسبة للضرائب على أساس قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974، وذلك تأسيسا على أن الشركة أسست طبقا لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974، وكان من بين أغراضها عقد القروض والتسهيلات بكافة أنواعها والحصول على الموارد المالية والقروض والإيداعات بكافة صورها والمساهمة فى تدبير التمويل الذى تطلبه الحكومة والمؤسسات التابعة لها وكذلك الشركات والأفراد وتمويل عمليات التجارة بوجه عام، وقد باشرت الشركة نشاطها منذ عام 1976 على النحو الوارد فى القرار الوزارى رقم 35 لسنة 1976 بالترخيص للشركة بتأسيسها، ألا أنها تلقت مؤخرا اعتراضات من جانب الهيئة العامة للاستثمار تدعى فيها الهيئة أن قيام الشركة بقبول الودائع يعتبر مخالفة لقانون البنوك والائتمان، وقامت الشركة بالرد على الهيئة موضحة أن الودائع التى تقبلها لا تعتبر ودائع مصرفية بل هى مجرد قروض فى شكل إيداعات ترد عند انتهاء مدتها تقبلها الشركة فى حدود الاغراض المرخص لها بها وهذه القروض لا تعتبر ودائع مصرفية لأنها لا ترد عند الطلب أو لأجل مما يجاوز سنة، وبعد أن اقتنعت الهيئة بوجهة نظر الشركة فى أن قبول الودائع على هذا النحو لا يعتبر خروجا عن أغراضها أصدرت قرارا بوضع قيود على عملية قبول الودائع هى :- (1) ألا تكون ودائع وتحت الطلب. (2) الا تكون خاضعة لهيكل أسعار الفائدة المصرفية (3) ألا يكون قبول الودائع على سبيل الاعتياد. (4) قصر استخدام القروض على تدبير احتياجات الشركة فى تنفيذ المشروعات التى تساهم فيها أو تؤسسها والتى تكون قد تمت الموافقة عليها من الجهات المختصة.
ولما كانت هذه القيود تشكل مصادرة لنشاط الشركة ووقفه كلية، اذ أن قانون الاستثمار أجاز للشركة عقد القروض وأعفى هذه القروض من الضرائب والرسوم واكتسب الشركة بمقتضى الترخيص الصادر لها مركزا ذاتيا فى هذا الشأن، فان القرار المطعون فيكون قد صدر مخالفا للقانون لاسيما وأن الودائع التى تقبلها الشركة هى(قروض) فى شكل إيداعات وليست تحت الطلب، وأن القصد منها هو تمويل المشروعات وليست على وجه الاعتياد.
وبجلسة 28/2/1989 قضت المحكمة بعدم قبول الدعويين لانتفاء المصلحة فيها بالنسبة لطلب وقف التنفيذ وإلغاء القرار الصادر بوضع شروط على قبول الودائع وأحقيتها فى أن تعامل بالنسبة للضرائب على أساس قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 وبرفض طلب التعويض وألزمت الشركة المدعية المصروفات، وأقامت قضاءها على أنه اثناء نظر الدعوى صدر القانون رقم146 سنة 1988 فى شأن الشركات العاملة فى مجال تلقى الأموال لاستثمارها وحظر القانون على غير الشركات المساهمة التى تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة فى السجل المعد لذلك بالهيئة العامة لسوق المال أن تتلقى أموالا من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أى مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء كان هذا الغرض صريحا أو مستترا، ويعتبر هذا القانون مانعا قانونيا يحول بين الشركة وبين ما تستهدفه من الطعن فى القرار الصادر بوضع قيود على نشاطها المتعلق بقبول الودائع، وبهذه المثابة لا يكون للشركة ثمة مصلحة فى الاستمرار فى الدعويين بالنسبة لطلبى الإلغاء ووقف التنفيذ، أما بالنسبة لطلب التعويض فلم يثبت من الأوراق أن الهيئة قد رفضت الموافقة على تحويل حصة الجانب السعودى فى أرباح الشركة، وانما توقف عن ذلك حتى تقوم الشركة بتصويب موقفها والالتزام بالقيود التى وضعتها بالنسبة لنشاط قبول الودائع وأن التأخير قد تم بسبب عدم التزام الشركة بسعر الصرف الذى يتم التحويل وفقا له وأنه بمجرد التزام الشركة بهذه القواعد فقد صدر قرار الهيئة بالموافقة على تحويل الحصة المشار إليها فى 9/10/1985مما ينفى عن الجهة الإدارية ركن الخطأ المسوغ للتعويض، أما بالنسبة لطلب الشركة أحقيتها فى الإعفاء من الضرائب فإن الأساس الذى تستند إليه الشركة هو  نص المادة (18) من قانون الاستثمار، ومن ثم لم يعد للشركة أية مصلحة فى المطالبة بعد إلغاء القانون المذكور.
ومن حيث أن مبنى الطعن الماثل أن الحكم الطعين قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله للأسباب الاتية:-
أولا :- أن صدور القانون رقم (146) لسنة 1988 لا يعتبر مانعا قانونيا لأعمال مصلحة الشركة المدعية فى إلغاء القرار المطعون فيه والتعويض عما رتبه من ضرر، اذ ان الشركة المدعية قد أسست فى ظل قانون الاستثمار الذى لم يلغ بمقتضى القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه حيث خلا القانون المذكور من  أى نص يلغى الفقرة الرابعة من  المادة الثالثة، بل انه يقضى بأن أحكامه لا تخل بما أورده ق 43 لسنة 1974من أحكام، ومن ثم تظل الشركة خاضعة لأحكام الأخير، لاسيما وأن الشروط والأحكام التى نشأت الشركة فى ظلها بمقتضى قانون الاستثمار تختلف تماما عن تلك التى نص عليها القانون رقم 46/1988 ومن ثم فلا محل للاستناد إلى هذا القانون لحرمان الشركة من المطالبة بحقوقها، وقد أشار المشرع فى قانون شركات توظيف الاموال إلى وجود شركات مساهمة أخرى تعمل فى نشاط تلقى الاموال وتنظمها قوانين خاصة غير القانون المذكور، ومن ثم تظل مصلحة الشركة قائمة فى الطعن فى القرارات المذكور حتى بعد صدور القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه.
ثانيا:- أن المشرع فى القانون رقم 43 لسنة 1974 وهو قانون لاحق على قانون 163 لسنة 1957 قد أجاز بل حث كافة المشروعات المنشأة فى ظله على عقد القروض وقبول الودائع اللازمة لتمويل نشاطها، بل وأعفى هذه القروض من الضرائب والرسوم على النحو الوارد فى المادة (18)منه، كما تضمنت موافيه هيئة الاستثمار النص على أعمال المرخص بها ومن بينها عقد القروض وإجراء التسهيلات بكافة أنواعها. الأمر الذى يجعل القرار المطعون يشكل تعديلا لقرار الترخيص اهداراً لحقوق الشركة المكتسبة
ثالثا:- أن الودائع التى تقبلها الشركة تختلف عن تلك التى تقبلها البنوك كودائع مصرفية فى كون الاولى على خلاف الثانية غير خاضعة للسحب عند الطلب، وأنها غير محددة المدد، وأنها لا تقبل على سبيل الاعتياد، وانما بمناسبة عارضة تتبلور فى تصدى الشركة لتمويل بعض المشروعات.
رابعاً:- أن الشركة معفاة أصلا من الضرائب المستحقة على فوائد القروض طبقا للقانون 43 لسنة 1974، وبالتالى فان اعتراض الهيئة على تحويل نصيب الشريك الأجنبى عن الأرباح بحجة إجراء مخصص للضرائب هو تعويق مقصود وغير مشروع يسبب ضررا ويستوجب التعويض عنه.
خامسا:- أن زيادة فوائد القروض على 7% وهى الحد الاقصى الوارد فى القانون المدنى تجيز للمدين فقط أن يطلب قضاء تخفيض الفائدة إلى الحد الاقصى المسموح به قانون ولكنه لم يسمح لاية جهة إدارية أن تتدخل لفرض أحكام هذه المادة على الشركة الدائنة وانما هو أمر يخص الشركة والمتعاملين معها.
ومن حيث ان طلبات الشركة قد أضحت تنحصر بعد تعديلها الثابت جلسة 3/3/1987 أمام محكمة القضاء الإدارى فى :- أولا : إلغاء القرار المبلغ لها من هيئة الاستثمار فى 14/11/1984 بوضع قيود على نشاطها فى قبول الودائع النقدية مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ثانيا :- إلزام الهيئة بأن تدفع للشركة الطاعنة مبلغا وقدره 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت لامتناعها عن الموافقة على تحويل أرباح الجانب السعودى فى 26/1/1985.
ومن حيث ان القانون رقم 43 لسنة 1974 المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 1977 الذى أسست الشركة الطاعنة فى ظله قد نظم الأحكام الخاصة باستثمار المال العربى والأجنبى فى حدود الأهداف والمجالات التى نصت عليها المادة الثالثة والتى قضت ” بأن يكون استثمار المال العربى والاجنبى فى جمهورية مصر العربية لتحقيق اهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى اطار السياسة العامة للدولة وخطتها القومية على أن يكون ذلك فى المشروعات التى تتطلب خبرات عالمية فى مجالات التطوير الحديثة أو تحتاج إلى رؤوس أموال أجنبية وفى نطاق القوائم التى تعدها الهيئة ويعتمدها مجلس الوزراء وذلك فى المجالات الآتية:-
(1) التصنيع والتعدين والطاقة والسياحة والنقل وغيرها من المجالات.
(2) …………….                (3) …………..
(4) شركات الاستثمار التى تهدف إلى توظيف الأموال فى المجالات المنصوص عليها فى هذا القانون.
(5) شركات الاستثمار وبنوك الاعمال وشركات إعادة التأمين التى يقتصر نشاطها على العمليات التى تتم بالعملة الحرة.
(6) البنوك التى تقوم بعمليات بالعملة المحلية متى كانت فى صورة مشروعات مشتركة مع رأسمال محلى مملوك لمصريين لا تقل نسبته فى جميع الاحوال عن 51%.
واستنادا إلى القيد “4″ المشار إليه صدرت موافقة الهيئة العامة للاستثمار فى 4/10/1974 على الطلب المقدم من الشركة الطاعنة لإقامة الشركة السعودية المصرية للاستثمار والتمويل، وبتاريخ 7/3/1976 صدر قرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادى رقم 35 لسنة 1976 بالترخيص لها بمزاولة نشاطها طبقا للعقد الابتدائى والنظام الأساسى لها والذى حدد أغراضها فى القيام بعمليات وكلاء تمويل وترويج الاكتتاب فى الأوراق المالية …… وعقد القروض والتسهيلات بكافة أنواعها والحصول على كافة الموارد والقروض والإيداعات بكافة صورها والمساهمة فى تدبير التمويل الذى تطلبه حكومة جمهورية مصر العربية والمؤسسات التابعة لها والشركات والأفراد وتمويل عمليات التجارة الخارجية فى يونيو سنة 1988 فى شأن الشركات العاملة فى مجال تلقى الاموال لاستثمارها ونص فى المادة الاولى منه على أنه “مع عدم الإخلال بأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالاسهم والشركات ذات المسئولية المحددة الصادر بالقانون رقم159 لسنة 1981 وغيره من القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب العام أو تجميع الأموال لا يجوز للشركات المساهمة التى تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة فى السجل المعد لذلك بالهيئة العامة لسوق المال أن تتلقى أموالا من الجمهور بأية عمله وبأية وسيلة وتحت أى مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحا أم مستتراً
ومن حيث أنه يبين من صياغة النص المتقدم والمناقشات التى دارت بشأنه – فى مجلس الشعب والتى انتهت باقرار الموافقة عليه بالصيغة التى صدر بها القانون، أن المشرع قد ابتغى بإصداره القانون أن يفرد نوعا من النشاط الاقتصادى بنظام قانونى خاص وموحد لما له من خطورة بالغة التأثير فى  النظام الاقتصادى والاجتماعى فى الدولة وهو نشاط تلقى الاموال من المواطنين بأية عملة وبأية وسيلة بقصد استثمارها أو توظيفها أو المشاركة بها اذا الثابت من  المناقشات التى انطوت عليها مضبطة مجلس الشعب أن المشرع كان يواجه قضية شركات تجميع الاموال التى استطاعت أن تستغل معاناة المواطنين بحاجاتهم إلى تنمية مدخراتهم واستحوذت على أموالهم ومقدراتهم فى ظل غياب القواعد القانونية السليمة التى تحقق الرقابة الكاملية والفعالة على هذا النوع من النشاط الاقتصادى على النحو الذى يحمى حقوق المواطنين البسطاء الذين يفتقرون إلى الخبرة الكاملة لحماية أموالهم وكيفية تنمية مدخراتهم بالوسائل الاقتصادية السليمة والذين عادة ما يسهل اخضاعهم للأفراد أو للشركات التى تلوح لهم بالعائد الكبير والضخم والتسهيلات الائتمانية المتميزة، يتقدمون لها – تحت تأثيرهذه الاغراءات بما جمعوه من أموال واذا كان استغلال أصحاب المدخرات هذه أمرا ميسورا لبعض الأفراد والشركات العامة فى ظل القانون العام، فان هذا الاستغلال يكون أوسع نطاقا وأبلغ أثرا بالنسبة للشركات العاملة فى ظل قانون استثمار المال العربى والأجنبى الذى يقوم أساسا على تحقيق الحماية الكاملة للمستثمر وتحويله أكبر قدر من الجدية للاستثمار بوسائله المختلفة وسحب أرباحه وتحويلها إلى الخارج بعيداً عن رقابة الأجهزة المختصة حيث تتمكن هذه الشركات من تجميع أموال المواطنين وتصديرها إلى الخارج مقابل فائدة أو عائد يشغلهم عن رقابة رأس المال النازح من مصر لتوظيفه على حسابهم فى الدول الأخرى على نحو يتناقض تماما مع الهدف من قانون الاستثمار الذى يقوم أساسا على جذب رؤوس الاموال من الخارج لاستثمارها داخل مصر، الأمر الذى يؤكد اتجاه الشارع نحو اخضاع هذا النوع من النشاط الاقتصادى لنظام قانونى متميز وموحد ويحقق رقابة فعالة من الدولة على الشركات العاملة فى ظله لتتحمل مسئوليتها تجاه المواطنين لحماية مصالحهم وأموالهم وحماية الاقتصاد القومى فى ذات الوقت مما عساه أن يقعوا فيه ويتحملوا مغبته، لذلك فقد حرص المشرع فى المادة الأولى من القانون 146 لسنة 1988 المشار إليه على النص صراحة على أن يحظر على أية جهة أن تتلقى أموالا من الجمهور بأية عملية أو بأية وسيلة وتحت أى مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحا أو ضمنيا الا إذا أخذت هذه الجهة شكل  الشركة المساهمة التى تطرح أسهمها للاكتتاب العام وتقيد فى السجل المعد لذلك فى هيئة سوق المال وأوجب المشرع بنص صريح وعام – على كل شركة تعمل فى هذا النشاط وقت صدور القانون أن تتوقف نهائيا عن تلقى الاموال من تاريخ العمل به وأن تقوم بتوفيق أوضاعه وفقا لأحكام إذا رغبت فى الاستمرار فى العمل فى المجال المذكور ولا ريب فى أن النص بصيغته الحالية قد نسخ ضمنيا حكم البند (4) من المادة الثالثة من قانون استثمار المال العربى والاجنبى والمناطق الحرة المشار إليه والذ حدد المجالات التى يجوز للشركات العمل فى نطاقها وهى (1) … (2) … (3) … (4) شركات الاستثمار التى تهدف إلى توظيف الاموال فى المجالات المنصوص عليها فى هذا القانون (5) … وذلك فى النطاق الذى يكون توظيف المال مصدره  تلقى الأموال من أفراد الجمهور، ولا فى سلامة هذا النظر ما ورد فى صدر المادة الاولى من القانون 146 لسنة 1988 المشار إليه من أنه “مع عدم الإخلال بأحكام قانون شركات المساهمة .. وغيره من  القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب  العام أو تجميعا الأموال … فليس فى صياغة هذه العبارة الاخيرة ما يؤدى إلى استثناء نشاط تلقى الاموال من أجل توظيفها واستثمارها لصالح مودعيها أما القوانين المنظمة لتجميع الأموال فيقصد بها القوانين المنظمة للاكتتاب فى المشروعات من اصحاب الاموال التى يسهمون فيها بأموالهم أو لعمليات تجميع الأموال على سبيل التبرع للمشروعات الخيرية وطريقة تجميعها تحت اشراف وزارة الشئون الاجتماعية بحسبان ذلك النوع من تجميع الاموال لا يعد من  مظاهر النشاط الاقتصادى الذى يهدف إلى توظيف الأموال أو استثمارها ومن ثم يكون من السائغ استثناؤه من أحكام القانون 146 لسنة88 المذكور، أما النشاط الخاص بتلقى الاموال من الجمهور لتوظيفها، فيظل خاضعا لأحكام هذا القانون محظورا على أى فرد أو شركة أن تقوم به الا إذا وفقت أوضاعها وفقا لأحكامه.
فاذا كان الثابت من الأوراق أن الشركة الطاعنة قد حصلت من الهيئة العامة للاستثمار على ترخيص يسمح لها طبقا للبند 3 من المادة الثالثة منه بعقد القروض والتسهيلات بكافة أنواعها والحصول على الموارد والقروض والإيداعات بكافة صورها … فان الترخيص بهذا النشاط يسقط فى مجال التطبيق فور نفاذ قانون توظيف الاموال المشار إليه، ومن ثم لا تعدو للشركة أية مصلحة فى وقف  تنفيذ أو إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للاستثمار يتقيد نشاطها فى هذا المجال، بعد أن أضحى النشاط ملغيا بأكمله بصدور القانون رقم 46 لسنة 1988 الذكور الذى يعد – بلا ريب – مانعا قانونيا يحول بين الشركة وبين ما  تستهدفه من ممارسة نشاطها المتعلق بقبول الودائع، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى فى هذا الشق منها شكلا لانتفاء المصلحة القانونية التى ينبغى أن تظل قائمة فى أية حالة تكون عليها الدعوى، واذ انتهى الحكم الطعين إلى هذه النتيجة فانه يكن قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون النعى عليه لمخالفته للقانون قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقا بالرفض.
ومن حيث انه عن طلب التعويض فان الشركة الطاعنة تستند فى طلبها إلزام الهيئة بأن تؤدى مبلغ 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت – إلى الهيئة المطعون ضدها قد أخطأت بترخيصها فى الموافقة على طلب الشركة تحويل حصة الجانب السعودى من الأرباح وامتنعت عن تحويل الحصة الا بعد أن استجابت الشركة الطاعنة إلى طلبها لتكوين مخصص لما عساه أن يستحق من الضرائب على هذه الارباح، الامر الذى أصاب الشركة باضرار تتمثل – حسبما تدعيه – فى الفروق بين سعر التحويل للدولار الذى كان مقررا وقت طلب التحويل وهو (84) قرشا للدولار، وسعره وقت التصريح بتحويله وهو (-,134)قرشا.
ومن حيث ان الثابت من الأوراق أن امتناع الهيئة المطعون ضدها عن الموافقة على تحويل حصة الجانب السعودى من أرباح عام 1983 خلال الفترة من 22/1/1984  تاريخ تقديم طلب التحويل وحتى 8/10/1985تاريخ إصدار الموافقة النهائية على التحويل كان بسبب عدم التزام الشركة بقرار مجلس إدارة الهيئة بشأن عدم توزيع الارباح الا بعد سداد الضرائب المستحقة على نشاط الودائع والاقراض وفقا للاشتراطات التى انتهت إليها اللجنة المشكلة من الهيئة والبنك المركزى المصرى فى هذا الخصوص، وبتاريخ14/7/1985 وافق مجلس إدارة الهيئة بناء على المكاتبات المتبادلة بين الهيئة والشركة على توزيع أرباح عام 1983 بعد تكوين مخصص للضرائب التى قد تستحق على نشاط الاقراض وقبول الودائع، ومن ثم فان تريث الهيئة فى الموافقة على تحويل حصة الشريك الاجنبى خلال الفترة المشار إليها كان قائما على سبب يبرره قانونا هو التحوط من تحويل حصة الشريك المذكور بما عساه أن تكون محملة به من ضرائب مستحقة للدولة، الأمر الذى قد يعد من الهيئة اعانة للشركة على التهرب من الضريبة، ولا يسوغ التحدى فى هذا المجال بأن نص المادة 18 من القانون43 لسنة 1974 وتعديلاته صريحة فى إعفاء الفوائد المستحقة على القروض من جميع الضرائب والرسوم، ذلك أن الإعفاء المشار إليه لا يسرى الا على نشاط القروض التى تعقد بالنقد الاجنبى فقط، وهو أمر لا يقتصر عليه نشاط الشركة الطاعنة حيث أن الترخيص الممنوح لها يسمح لها يسمح لها بعقد القروض بأية عمله من العملات ومن فيها العملة المصرية، فضلا عن أن الخلاف بين الشركة الطاعنة والهيئة انما يقوم أساسا على خروج الشركة الطاعنة عن الاهداف المرخص لها بها، مما يجعل لمصلحة الضرائب – فى نظر الهيئة – حقا فى أرباح المشروع مما دعا إلى التحوط من عدم تحويل الحصة الا بعد سداد الضرائب، فاذا ما انتهى الخلاف المذكور إلى حل مقبول لدى الطرفين هو تحويل الحصة المطلوبة مع تكوين مخصص للضرائب التى قد تستحق على أرباح الشريك الأجنبى، مما ينفى عن الهيئة والقائمين على ادارتها أى تعسف مقصود فى الامتناع عن تحويل الأرباح اذ كان تأخيرها فى التحول قائما على أسباب سائغة ومستخلصة من أصول منطقية ومعقولة هى عدم ضياع حقوق الدولة فيما يستحق من ضرائب على أرباح النشاط الذى كان محلا للخلاف بين  الهيئة وبين الشركة الطاعنة، مما يعدو معه تصرف الهيئة تصرفا طبيعيا وسائغا ومقبولا مما ينتفى معه فى حقها ركن الخطأ الموجب لمسئوليتها عما قد يصيب الشركة من أضرار، ويكون الحكم المطعون فيه اذ قضى برفض طلب التعويض، قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون خليقا بالرفض.
ومن حيث ان الشركة وقد خسرت الطعن فتلزم بمصروفات عملا بنص المادة 184 مرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وألزمت الشركة الطاعنة بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحياتي / محمود حموده :- سيتم مراجعة هذا التعليق قبل نشره خلال الـ 24 ساعة القادمة