اقتصاديات نظم المعلومات



تمهيــد :
إن المعلومات مورد أساسي في أي نشاط بشري ، والمعلومات عنصر مهم في علاقة الإنسان بمجتمعه وعلاقة المجتمعات بعضها ببعض من النواحي السياسية الثقافية والاقتصادية...
علما أن هناك ثلاث خصائص رئيسية أساسية تتحكّم في مجتمع المعلومات:
1- الخاصية الأولى : استخدام المعلومات كمورد اقتصادي حيث تعمل المؤسسات والشركات على استغلال المعلومات والانتفاع بها في زيادة كفاءتها وهناك اتجاه متزايد نحو شركات المعلومات لتعمل على تحسين الاقتصاد الكلي للدولة .
2- الخاصية الثانية : هي الاستخدام المتناهي للمعلومات بين الجمهور العام . الناس يستخدمون المعلومات بشكل مكثّف في أنشطتهم كمستهلكين وهم يستخدمون المعلومات أيضا كمواطنين لممارسة حقوقهم ومسؤولياتهم ، فضلاً عن إنشاء نظم المعلومات التي توسع من إتاحة التعليم والثقافة لكافة أفراد المجتمع .
وبهذا فإن المعلومات عنصر لا غنى عنه في الحياة اليومية لأي فرد .
3- الخاصية الثالثة : هي ظهور قطاع المعلومات ، كقطاع مهم من قطاعات الاقتصاد. إذا كان الاقتصاديون يقسمون النشاط الاقتصادي تقليدياً إلى ثلاثة قطاعات هي :
     الزراعة وهو ما كان يٌعرف بالمجتمع الزراعي المعتمد على الموارد الأولية الصناعة وهو كان يُعرف بالمجتمع الصناعي المعتمد على الطاقة المولدة مثل: الكهرباء ، الغاز والطاقة النووية، ثم الخدمات .
علماء الاقتصاد والمعلومات يُضيفون إليها منذ الستينات من القرن الماضي قطاعاً رابعاً وهو قطاع المعلومات ، حيث اصبح إنتاج المعلومات ، وتجهيزها وتوزيعها (معالجتها) نشاطاً اقتصادياً رئيسياً في الكثير من الدول .
هناك تحوّل جوهري من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلومات في أكثر أشكالها اتساعاً وتنوعاً ، وهي القوة الدافعة والمسيطرة .
والبعض يقول إن مجتمع المعلومات هو المجتمع الذي تستخدم فيه المعلومات بكثافة كوجه للحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية ...
مجتمع المعلومات يعتمد في تطوره بصفة رئيسية على المعلومات والحاسبات الآلية وشبكات الاتصال ، أي إنه يعتمد على التكنولوجيا الفكرية تلك التي تضم سلعاً وخدمات جديدة مع التزايد المستمر للقوة العاملة المعلوماتية التي تقوم بإنتاج وتجهيز ومعالجة ونشر وتوزيع وتسويق هذه السلع والخدمات .
إنه المجتمع الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على المعلومات الوفيرة كمورد استثماري وكسلعة استراتيجية ، وكخدمة ، وكمصدر للدخل القومي وكمجال للقوى العاملة .
لقد قدّر الاتحاد الدولي للاتصالات بعيدة المدى : أن قطاع المعلومات قد نما على المستوى العالمي في عام 1994 بمعدل أكثر من 5% ، بينما كان نمو الاقتصاد العالمي بصفة عامة بمعدل أقل من 3%.
وهكذا فإن الملامح البارزة الآن التحول من اقتصاد الصناعات إلى اقتصاد المعلومات والتحول من الاقتصاد الوطني إلى الاقتصاد العالمي الشامل أو المتكامل . والتحول من إنتاج البضائع والسلع المصنّعة إلى إنتاج المعلومات .

-
I تعريف مصطلح "معلومات" و"تكنولوجيا المعلومات" :
المعلومات مصطلح يندرج في طياته عناصر ثلاثية الأبعاد ، متعارف عليها "بالمعلومات" وهي : البيانات ، المعلومات ، المعارف (المعرفة) وممكن إضافة عنصر رابع وهو الذكاء بصفته وسيلة لتوليد المعرفة وتوظيفها .
البيانـات : هي المادة الأولية التي نستخلص منها المعلومات :
بنود البطاقة الشخصية - الإشارات التي تنبعث من أجهزة الإرسال - هي ما ندركه مباشرة بحواسنا .
المعلومات: ناتج عن معالجة البيانات تحليلاً أو تركيباً لاستخلاص ما تتضمنه البيانات، تطبيق عمليات حسابية ، موازنات ، معدلات ، طرق إحصائية ورياضية ومنطقية .
البيانات ركيزة المعلومات .. والمعلومات هي المتغير التابع ، وفي توصيف آخر ، تعرف المعلومات : "بأنها تلك التي تؤدي إلى تغيير سلوك وفكر الأفراد واتخاذ القرارات"
المعرفـة: هي حصيلة الامتزاج الخفي بين المعلومة والخبرة والمدركات الحسية والقدرة على الحكم .
نتلقّى المعلومات ونخرجها بما تدركه حواسنا . المعلومات وسيط لاكتساب المعرفة ضمن وسائل عديدة كالحدس والتخمين والممارسة الفعلية والحكم بالسليقة
إذا اقتصرنا بحثنا على الأبعاد الثلاث (للمعلومات) وحاولنا تحليل وفهم الدور الذي تلعبه المعلومات على الوضع الاقتصادي على المستويين العربي والعالمي . نستطيع أن نؤكد بأنه اصبح للمعلومات الدور الحاسم في بنية الاقتصاد العالمي مع تطور ما يسمى بتكنولوجيا المعلومات الحديثة .حيث : أن لكل تكنولوجيا مادتها الخام التي تتعامل معها وأداتها الأساسية التي تعالج بها - ثم تحويل تلك المادة الخام إلى منتجات ثم توصيلها إلى المستفيد من خلال وسائل التوزيع المختلفة والتي لا بد وان تتلاءم وطبيعة هذه المنتجات وطرق استخدامها .
إذا ما طبقنا هذا الإطار العام على "تكنولوجيا المعلومات" نبين التالي :
المادة الخام : البيانات ، المعلومات ، المعرفة
الأداة : الكمبيوتر والبرمجيات (تحويل المادة الخام إلى سلع وخدمات معلوماتية).
التوزيـع : من خلال التفاعل الفوري بين الإنسان والآلة وأساليب البث المباشر وغير المباشر شبكات البيانات (إيصال كمبيوتر بآخر أو عبر الطرفيات) .
إن هذه التكنولوجيا على مدى مسار تطورها ، قد تحولت من تكنولوجيا كثيفة الطاقة إلى تكنولوجيا كثيفة العمالة ، حتى ارتقت أخيرا إلى تكنولوجيا كثيفة المعرفة . وهنا تكمن الخطورة نظراً لأن المعرفة الإنسانية (المعلومات) ما زالت في قبضة الأقوى الذي يجيد استغلال أيضا تكنولوجيا المعلومات لإحكام قبضته وفرض عولمته وإعادة إنتاج عالمه.
من هنا أهمية تفعيل المعرفة داخل منظومة المجتمع إذ هي حلقة متصلة مكوّنة من ثلاثة عناصر أساسية هي :
اقتناء المعرفة ، استيعابها ثم توظيفها فلا نضيف جديداً إذ نقرّ بتفكك هذه الحلقة المعرفية لدينا (في العالم العربي) . عادة ما يغيب عنها شق توظيفها في حل مشكلات المجتمع وتنمية أفراده وموارده . وفي كثير من الأحيان يتوقف الجهد عند حدود الاقتناء (المعرفة) دون استيعابها في الأوضاع المحلية . وسنظل نشكو من أنيميا معرفية حادة مهما تعدّدت لدينا نظم الكمبيوتر وانتشرت مواقعنا ومقاهينا على الانترنيت ومهما كثر الحديث عن أهمية المعلومات وضرورة اللحاق بركبها إذا لم نسع إلى استيعاب هذه المعرفة وتوظيفها .
إن تعميم استخدام تكنولوجيا المعلومات وشبكاتها والتطور التكنولوجي السريع واتساع السوق بشكل هائل إضافة إلى عولمة تدفق المعلومات ، قد حوّلت مجتمعاتنا إلى اقتصاديات مبنية على المعرفة والتكنولوجيا وفرضت شروطاً تنافسية جديدة .
من هنا المشاركة في الاقتصاد العالمي الجديد الذي يعتمد بشكل كبير على ثورة المعلوماتية يحتم علينا لعب دور بارز في مجال التكنولوجيا والمعلومات من خلال توفير البيئة والتقنيات التي تسمح بنمو وازدهار صناعة المعلومات.

-
II الاقتصاد وصناعة المعرفة (المعلومات):
قطاع المعلومات هو القطاع الذي يشمل كل الأنشطة المعلوماتية في الاقتصاد فضلاً عن السلع المطلوبة بهذه الأنشطة . وقد أشار (ماكلوب -
Machlup) إلى قطاع المعلومات على اعتبار انه صناعات المعرفة والتي تضم الأقسام الخمسة التالية : التعليم - البحوث والتنمية - الاتصالات - آلات المعلومات وخدمات المعلومات.
كما يورد (نيك مور- (
Moore "إن قطاع المعلومات هو الذي يتكوّن من المؤسسات في كلا القطاعين العام والخاص ، تلك التي تنتج المحتوى المعلوماتي أو الملكية الفكرية، وتلك التي تقدم التسهيلات لتسليم المعلومات للمستهلكين وتلك التي تنتج الأجهزة والبرامج التي تمكننا من معالجة المعلومات" .
وبناء عليه ، يمكن تقسيم المعلومات إلى ثلاثة أقسام رئيسية على النحو التالي :
" صناعة المحتوى المعلوماتي -
Information Content
تتم هذه الصناعة عن طريق المؤسسات في القطاعين العام والخاص التي تنتج الملكية الفكرية : عن طريق الكتّاب ، المحررين … … وهؤلاء يبيعون عملهم للناشرين والموزعين وشركات الإنتاج التي تأخذ الملكية الفكرية الخام وتجهيزها بطرق مختلفة ثم توزعها وتبيعها لمستهلكي المعلومات . أيضا يوجد جزء خاص لا علاقة له بالإبداع وإنما يهتم بجمع المعلومات مثل جماع الأعمال المرجعية وقواعد البيانات والسلاسل الإحصائية .
" صناعة تسليم (بث المعلومات) -
Information delivery
إن القسم الثاني من صناعة المعلومات إنشاء وإدارة شركات الاتصال والبث التي يتم من خلالها توصيل المعلومات .
وهي تشمل شركات الاتصالات بعيدة المدى والشركات التي تدير شبكات التلفاز- مؤسسات تتولى هذه القنوات وغيرها لتوزع المحتوى المعلوماتي مثل بائعي الكتب والمكتبات ...
" صناعة معالجة المعلومات -
Information processing
تقوم هذه الصناعة على منتجي الأجهزة ومنتجي البرمجيات ويتولى منتجو الأجهزة تصميم صناعة وتسويق الحواسيب وتجهيزات الاتصالات بعيدة المدى والإلكترونيات.
وهم يتركزون في الولايات المتحدة وشرق آسيا . أما فئة منتجي البرمجيات فهي تقدم نظم التشغيل
Unix Dos Windows
حجم صناعة المعلومات في أوربا والولايات المتحدة ببلايين الدولارات في سنة 1994
فئات قطاع المعلومات الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة المحتوى المعلوماتي 186 255 تسليم المعلومات 165 116 معالجة المعلومات 193 151 المجموع 544 566
هكذا أصبح إنتاج المعلومات وجمعها وتجهيزها وتجميعها نشاطاً اقتصادياً كبيراً للعديد من دول العالم . ففي الولايات المتحدة وفي دول أخرى نجد أن المعلومات سلعة استهلاكية كبيرة ومن المدخلات في إنتاج كافة المنتجات والخدمات .
ضمن هذا الإطار ذكر (كيت بيكر - (
Baker - في مؤتمر (نحو مجتمع المعلومات) الذي عقد في هونغ كونغ عام 1983 "إن دخل إنتاج صناعة المعلومات وصل إلى اكثر من 75 بليون جنيه استرليني في العالم عام 1982 . هذا الدخل يزداد بنسبة 12% سنوياً وبهذا المعدّل في الزيادة السنوية ، فإن صناعة المعلومات ستكون المورد الأساسي للاقتصاد العالمي خلال الخمسة والعشرين سنة القادمة.
كذلك أشارت الدراسات الحديثة للاقتصاديات المتقدمة أن قطاع المعلومات هو المصدر الرئيسي للدخل القومي للعمالة ، حيث قدر في الولايات المتحدة أن قطاع المعلومات ينتج حوالي نصف الدخل القومي .. وتظهر اقتصاديات الدول الأوروبية المتقدمة أن حوالي 40% من دخلها القومي انبثق من أنشطة المعلومات .
العمالة في حقل المعلومات - (عام 1996)

النسبة المئوية في عدد من دول العالم
القطاع
المجر
سنغافورة
اليابان
الولايات المتحدة
2،28
7،24
24
7،15
الصناعة
4،12
3،0
2،7
8،2
الزراعة
4،25
9،29
5،32
7،33
الزراعة
34
9،40
8،35
8،47
المعلومات

هذا التحول إلى العمل في حقل المعلومات يستتبعه فكرة العمل عن بعد (إلى الاتصال الكترونيا بمكتب رئيسي) وهو ما يؤدي إلى ظهور طبقة أو فئة مهنية جديدة لها وزنها هي فئة "العاملون في المعلومات"
Information Workers ويقسمون إلى أربع فئات فرعية :
- منتجو المعلومات (منشؤ المعلومات وجماعها) .
- مجهزو المعلومات (يستقبلون المعلومات ويستخدمونها)
- موزعو المعلومات (ينقلون المعلومات من المنشأ إلى المتلقِي)
- بيئة المعلومات (تقوم على التكنولوجيا للأنشطة المعلوماتية.

التنمية البشرية (الاقتصادية) والمعلومات:
في عام 1990 قدم "برنامج الأمم المتحدة" للتنمية من جانبه تقريراً عن التنمية البشرية بمبدأ "التنمية البشرية الذي اصبح البديل الأساسي لرؤية التنمية التي تتعادل مع النمو الاقتصادي.
وهناك جهود لهذا التغيير ، تتمثّل في أن استئصال الفقر قد أصبح نشاطا متعدد الأبعاد، فالفقر يعد اكثر من مجرد نقص أو افتقار الرفاهية المادية فهو أيضا بالصحة المعتلة ، وضعف التعليم والحرمان من المعرفة والاتصال والعجز من ممارسة الحقوق الإنسانية والسياسية و ضياع الكرامة والثقة واحترام الذات .
وتقوم تقنيات المعلومات والاتصال بدور بارز في هذا المفهوم الأشمل للفقر . فهي توفر الأدوات والوسائل المهمة لتحسين الصحة والتعليم ، وتقدم القنوات الجديدة لنشر المعرفة .
إن التعامل الأفضل مع مصدر أساسي مثل المعلومات سوف يعمل كثيراً على تحسين مستويات المعيشة لقد كتب (مانسيل - (
Mansell و (وين - When) يقولان :
"إن محاولات قياس تأثير تقنيات المعلومات والاتصال على اقتصاديات الدول الصناعية والدول المتنامية تعترضها مشكلات قاسية تتعلق بالتصنيف الإحصائي وسهولة الحصول على البيانات" .
كما أن البيانات كثيراً ما تكون غير واضحة أو موثوق بها ، كما انه يتم حجز بعض البيانات على إنها ملكية خاصة .
ضمن هذا الإطار تعد الشفافية ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الحديث . فلا يمكن للحرية الاقتصادية أن تزدهر بل أن تستمر إذا لم تترادف مع شفافية كافية في جميع القطاعات وعلى كل المستويات . فالدول الصناعية تعلمت عبر العقود الماضية أن للمعلومات قوة ، بل لها تأثير كبير على تكوين الرأي العام الذي يحاسب الحكام ويقرر مصير الوطن .
الدولة الحديثة لا يحق لها أن تحجب أي معلومة عن شعوبها مهما كانت سيئة . الدول النامية تعرف أيضا أن للمعلومات قوة مما يجعلها تحتفظ بها أحيانا لنفسها لتستعملها عند الضرورة لمصالح عامة وخاصة .
غياب الشفافية له تأثير سلبي ليس فقط على الحياة السياسية وإنما الاقتصادية والاجتماعية . الاقتصاد غير الشفاف كان له التأثير المباشر في الأزمات في المكسيك- دول شرق آسيا - روسيا (حيث أن مقومات الأزمة كانت موجودة ولكنها كانت مخبأة عن المجتمع لأن المعلومات المتوافرة لم تكن كاملة أو كافية ، كما كانت بعض المعلومات خاطئة عن قصد أو جهل (النتيجة واحدة) .
كما تردد عن دور المعلومات في انهيار الاقتصاد العالمي على اثر النكسة التي عصفت بأسواق المال في نهاية عام 1987 (الاثنين الأسود) لعدم توافر نظم معلومات فعالة حينها كذلك التي تؤازر الاقتصاد العالمي حالياً.
- كذلك من دراسة الأزمات البترولية المختلفة وأسبابها يلاحظ أنها تعود إلى عوامل مختلفة تشمل الأسباب السياسية والمعلوماتية والمتمثلة في وجود معلومات غير دقيقة تؤدي إلى عدم اتخاذ أي قرار أو اتخاذ قرار خاطئ . وهذا يؤدي إلى شح أو فائض في العرض ثم ارتفاع أو انخفاض وربما مفاجأة في الأسعار .
المقصود بالعامل المعلوماتي : وجود معلومات يعتقد صحتها من حيث الإنتاج والاستهلاك وحركة المخزون وكمية المخزون والطاقة الإنتاجية والنمو الاقتصادي المتوقع .. وعلى هذه المعلومات تتخذ قرارات مهمة مثل زيادة أو تخفيض الإنتاج أو الشراء أو البيع .
من هنا نلاحظ : أن الكثيرمن المستمثرين يفضلون توظيف أموالهم في الدول الصناعية بالرغم من العائدات المنخفضة خوفاً من مفاجأة الأسواق النامية (لعدم توافر المعلومات الصحيحة) .
إن العالم العربي ولبنان بالتحديد بحاجة اليوم إلى اعتماد ثقافة الشفافية في كل شيء. لم يعد مقبولاً إخفاء المعلومات أيا كانت ومن أين أتت . فالمواطن (العربي) على درجة من الوعي تسمح له بتفهم الواقع والتصرف .
المحافظة على المعلومة أصبح من جهل الماضي ويضرّ بالمستقبل ،إن أكثر ما يعرقل التطور الاقتصادي في العالم العربي التخفّي وراء الحقائق والإحصائيات بل المعلومات التي هي أصلا ملك المواطن وحق له .
نخلص في هذا المجال إلى القول :
إن هناك بعد جوهري في التنمية البشرية ، وهو المعرفة التي تُعتبر حاسماً في تمكين الناس من توسيع مجالات اختياراتهم وتقنيات المعلومات والاتصال هي الأدوات الأساسية للمجتمعات الناهضة التي تتأسس على المعرفة وهي تمثل تحولاً هاماً من استغلال الموارد الطبيعية والمادية إلى انتشار البيانات والمعلومات . وما يتصل بهما من مهارات خاصة بالتحليل والمعالجة . وهذه التنمية يصاحبها اتجاه قوي نحو خصخصة مصادر المعرفة وإضفاء الطابع التجاري عليها وما يتزامن مع ذلك من فرض إجراءات قانونية لحماية الملكية الفكرية الخاصة
إن النظام العالمي الناهض من اجل حقوق الملكية الفكرية يميل إلى أن يركز على الجوانب الاقتصادية لحماية حقوق الملكية الفكرية اكثر مما يركّز على اعتبارات المصلحة العامة .
"ضمن هذا الإطار فإن النقاشات ووجهات النظر ما زالت مستمرة ومتباينة بين القانونيين من جهة ، وبين المطالب بديموقراطية المعرفة (حق المواطن في المعرفة) وما نصّت عليه مواثيق منظمات الأمم المتحدة من جهة ثانية . من هنا يأتي تقرير "البنك الدولي" عن التنمية في العالم عام 1998 بعنوان : المعرفة من أجل التنمية ليؤكد أن المعرفة ليس على نطاق الصفوة وإنما على مستوى الشعب كله هي العامل الحاسم للتنمية . كما يؤكد التقرير على وجوب التصدي لفجوات المعرفة ما بين البلدان وداخلها ولمشاكل المعلومات التي تضعف الأسواق وتعرقل الإجراءات الحكومية علما أن هذه الفجوات هي اكثر حدّة في البلدان الأشد فقراً . وهي السبب الرئيسي في ذلك الفقر. ويؤكد التقرير أن هناك حوالي 3 مليارات نسمة تعيش على 3 دولارات في اليوم بأسعار 1997 في الولايات المتحدة . ويتركز معظم فقراء العالم في شرق وجنوب آسيا.
وهنا يتساءل التقرير : هل يمكن حقاً التصدّي لمشكلة نقص المعلومات في مثل هذه البلدان ؟
المبدأ العام يقضي بأنه ينبغي للمؤسسات أن تعمل وفقاً لقدرتها النسبية وللحكومات أن تركز على المسؤوليات التي لا يحتمل أن ينهض بهذا القطاع الخاص .
وهو يقوم على الاستنتاجات التالية :
يمكن تضييق الفجوة في- الدراية الفنية التي تزيد من النمو الاقتصادي وترفع الدخل ، تقلل التردي البيئي وتحسن نوعية الحياة .
- تجهيز بنية تحتية
- تطوير القوانين والأنظمة
- تحديث البرامج التعليمية
- تفعيل المرافق والإدارات
- دعم الابتكار
- تنسيق الجهود
- اكتساب المعرفة العالمية وإيجاد المعرفة المحلية (تطويع المعرفة المستوردة وإيجاد المعرفة التي لا تستطيع الحصول عليها على الصعيد الدولي .

اقتصاد المعرفة والتقنيات الحديثة:
تعتبر البنية التحتية لتقانة المعلومات والاتصالات لبلد ما العامل الأهم في تحديد قدرته على الانتقال إلى الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة وتشكل كثافة الحظوظ الهاتفية - الثابتة والنقالة انتشار الحواسيب الشخصية ومدى استخدام الانترنيت من المؤشرات الأساسية لهذه البنية التحتية .
تقنيات المعلومات والاتصال لا تعمل منفردة بل تعمل معاً ، لذلك فنموها يؤدي إلى نمو في القطاعات الأخرى من الاقتصاد .
ونتيجة لتقارب العديد من هذه الصناعات : علوم الحاسوب الاتصالات وصناعة المحتوى - صناعة السمعي / البصري ، النشر وتسجيل الصوت والوسائط .
أدت هذه الثورة المتنوعة إلى عدد من التبعات (السياسية والاقتصادية) ، من هنا يجب عدم تجزئة صناعة الوسائط المتعددة عن صناعة الاتصالات وتقارب الشبكات وعولمة الصناعات الثقافية وإنتاج المكونات الرئيسية للوسائط المتعددة التي تتحكم بالمحتوى (المضمون) وأدوات النقل لتقديم ذلك المضمون .
تمثل الوسائط المتعددة مرحلة من المراحل في تطور الوسائل (الطرق التقليدية) لإنتاج ومعالجة وإرسال ونشر البيانات وأحد المميزات الرئيسية للوسائط المتعددة هو القيمة المضافة فيما يتعلق بالألعاب والأعمال المرجعية - التدريب والصفقات التجارية والاتصالات .
بين عام 1997 و 1998 ، تحول مجال إنتاج وتوزيع الوسائط المتعددة رأساً على عقب بفعل إدخال البيانات بشكل رقمي كامل.
إن كل المشاركين في صناعة الوسائط المتعددة يتأثرون بالتغييرات التي تحدث . فقد حدثت مكتسبات وإندماجات كثيرة جداً ، كما تم إعادة تكوين مؤسسات مشاركين وشركات جديدة تنبثق طوال الوقت . ومناطق امتياز جغرافية ومنتجات جديدة يتم تطويرها وتنميتها بشكل مستمر .
توزيع مبيعات العالم من تطبيقات الوسائط المتعددة آلاف الملايين من الدولارات 1995-2000
إجمالي

باسفيك
أوربا
أمريكا الشمالية
-

8،9
7،1
3،3
1،4
1995

2،22
5،5
4،7
1،6
2000

8،17%
5،26%
5،17%
3،8%
الزيادة السنوية


هناك نمو شامل في السوق في كل من الطلب على منتجات الوسائط البصرية واستخدام خدمات الانترنيت .
إن إجمالي مبيعات الأقراص المدمجة (
CD Rom) على مستوى العالم من : قواعد البيانات والصور والصوت والوسائط المتعددة ، بلغ ثمانية ملايين وحدة (1993) - 5،16 مليون وحدة (1994) و 9،53 مليون وحدة (1995) . كما أن عدد الأقراص زاد بشكل مذهل بمقدار 80% بين 1990 و 1995 .
كما أن التوسع الهائل بشبكة الانترنيت أدى إلى إيجاد سوق ضخمة لمستخدمي منتجات الوسائط المتعددة في مجالات : الترفيه - الصحافة - المكتبات والمعلومات - الشراء - الإعلانات - البنوك - الشركات ..

- اقتصاد المعرفة والانترنيت:
لا تزال انترنيت بعيدة عن الاستخدام المباشر في مجال التنمية بالمعنى الضيق للكلمة . إن الاقتصاديين يعملون على إدخال عامل المعرفة بشكل مباشر وواضح في نظرياتهم ونماذجهم الاقتصادية . "نظرية النمو الجديدة" .
العلاقة بين التنمية وتوليد المعرفة واستخدامها أصبحت واضحة ، وتدل الإحصاءات على أن أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة مبني على المعرفة. وهكذا اصبح الاستثمار في المعلومات أحد عوامل الإنتاج ، فهو يزيد في الإنتاجية ، كما يزيد في فرص العمل .
إن توفير المعرفة وتحويلها إلى معلومات رقمية يجعلها تتحوّل إلى سلعة تزداد أنواعها يوماً بيوم ويعتمد ذلك على مراحل :
توليد المعلومات - نقلها ونشرها واستثمارها .
كما يعتمد اقتصاد المعرفة اعتماداً أساسيا على فعالية الشركات في جمع المعرفة واستعمالها لرفع الإنتاجية وتوليد سلع خدمات جديدة توزع عبر شبكات المعرفة التي تتغير المعلومات فيها بمعدلات سريعة . وستؤدي شبكة الانترنيت دوراً أساسيا في تشبيك المعرفة .
ففي اقل من عقد من الزمن استطاعت الانترنيت تبديل العديد من المفاهيم الاقتصادية، كما أنها أثرت في الكثير من القطاعات الاقتصادية .
وفّرت الانترنيت المعلومات الكثيرة وبأقل التكاليف ، كما أدت إلى تخفيض تكاليف الصفقات التجارية إلى حدودها الدنيا .
هذا ما أدى إلى تزايد استخدام التجارة الإلكترونية وإلى تحسين المنافسة على الصعيد العالمي ، كما أدت إلى بروز فعاليات اقتصادية جديدة لم تكن معروفة من قبل.
تعد الانترنيت أفضل ما يمثّل مجتمع المعلومات لأنها نتيجة تلاقي ما سمي عصر: المعلومات والاتصالات، فهي أداة رئيسية للنشر والتبادل للمعلومات .
إن العلاقة بين التنمية وبين توليد المعلومات واستخدامها أصبحت واضحة . وبالتالي أصبح الاستثمار في المعلومات والانترنيت أحد عوامل الإنتاج - فهو يزيد في الإنتاجية كما يزيد من فرص العمل .
والتجارة عبر الانترنيت ستكون بين شركات بشكل أساسي وهذا ما سمي بالتجارة
Business - to - Business B. To. B ومن المتوقع أن ترتفع التجارة عبر الانترنيت في الولايات المتحدة الأميركية من 43 مليار دولار إلى 1300 مليار دولار عام 2003 أما في بقية الدول المتقدمة سيرتفع مستوى تجارة عبر الانترنيت من 45 مليار دولار في عام 1998 لتصل إلى 3200 مليار دولار عام 2003 .
بالمقابل فإن تجارة الأشخاص عبر الانترنيت والتي يرمز إليها بالتجــــــارة
Business to Consumer B. To. C - من المتوقع أن ترتفع في الولايات المتحدة الأميركية حوالي 20 مليار دولار عام 1999 إلى حوالي 184 مليار دولار في عام 2004.
كما أن الفرق بين سعر السلعة على الانترنيت وسعرها عند شرائها بالطريقة التقليدية يلعب دوراً هاماً في تشجيع أو إعاقة تجارتها عبر الانترنيت على سبيل المثال : أسعار الكتب والأقراص المبرمجة
CD بنسبة 10% على الانترنيت 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحياتي / محمود حموده :- سيتم مراجعة هذا التعليق قبل نشره خلال الـ 24 ساعة القادمة