** لعل أكثر جهات القضاء صلة
بحماية الحقوق الفردية والحريات العامة هو القضاء الإداري ذلك لأنة· يفصل في
المنازعات التي تثور بين الإفراد وبين الإدارة عندما نتصرف كسلطة عامة ولا شك إن
اشد السلطات العامة خطرا علي حرية الأفراد هي السلطة التنفيذية ممثلة في الإدارة
العامة بجهاتها المختلفة فهي التي تنفذ سياسة الدولة في مواجهة الإفراد
ولا شك أن القضاء الإداري·
في مصر قد قام بدور لا ينكر في تأكيد سيادة القانون وحماية حقوق وحريات الأفراد في
مواجهة الإدارة رغم سنوات الضعف والتراجع التي مر بها خلال فترات الحكم الشمولي
غير أن فعالية مجلس الدولة في أقامة العدالة الإدارية لا تزال منتقصة بسبب بطء
إجراءات التقاضي مما يستدعى وقفة تأملية ودراسة علاجية لهذه الظاهرة غير الصحية
لتحقيق سرعة العدالة الإدارية حماية للحقوق الفردية
ولبحث هذا الموضوع بإيجاز
نتناول بالدراسة فيما يلي النقاط التالية:
*تأكيد بطء العدالة
الإدارية······ * نتائج بطء العدالة الإدارية····· * أسباب بطء العدالة الإدارية
* علاج بطء العدالة الإدارية
أولا:- تأكيد بطء العدالة
الإدارية
تستغرق إجراءات التقاضي
أمام مجلس الدولة منذ رفع الدعوى إلي صدور الحكم فيها بضع سنين ولا يكاد الحد
الأدنى لمدة الفصل في الدعوى الإدارية يقل عن ثلاثة أعوام أما الحد الأقصى فقد
يجاوز عشرة أعوام خاصة في حالة نظر الدعوى على عدة درجات كما هو الغالب في الدعاوى
الإدارية وإذا كانت أحكام وقف تنفيذ القرارات التي يصدرها المجلس قد تخفف من وطأة
طول مدة الفصل في الدعوى فان هذه الأحكام لا تصدر إلا في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية
إذا رأت المحكمة أن نتائج تنفيذ القرار قد يتعذر تداركها ( المادة 49/2 من قانون
مجلس الدولة ) وان طلب الإلغاء يقوم بحسب الظاهر على أسباب جدية كما أنة لا يجوز
طلب وقف تنفيذ القرارات التي لا يقبل طلب إلغائها قبل النظام منها إداريا وهذه
القرارات هي المتعلقة بشئون الموظفين ( المادة 12 فقرة ب من قانون مجلس الدولة )
ونعتقد أن المشرع لم يكن موفقا في منع طلب تنفيذ القرارات المتعلقة بشئون الموظفين
اكتفاء بالتظلم الإداري منها وذلك لان التظلم الو جوبي لا يعد ضمانا كافيا يغني عن
وقف التنفيذ الذي يمكن أن تأمر به المحكمة لان الإدارة في حالة التظلم إنما تقوم
بدوري الخصم والحكم في نفس الوقت وفضلا عن ذلك فان القضاء الإداري غالبا ما يتسم
بالتقتير في الاستجابة لطلبات وقف التنفيذ والبطء في البت فيها رغم صفة الاستعجال
اللصيقة بها لذلك كثيرا ما يلجأ المتقاضي إلي استصدار أمر على عريضة من قاضى
الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة في القضاء العادي لوقف تنفيذ قرار إداري وذلك من
باب التعجيل في وقف التنفيذ لأنة يجب علي القاضي أن يصدر أمره بالكتابة علي إحدى
نسختي العريضة في اليوم التالي لتقديمها على الأكثر ( المادتين 194و 195 من قانون
المرافعات ) وذلك رغم أن القانون يحرم على محاكم القضاء العادي أن تؤول الأمر
الإداري أو توقف تنفيذه ( المادة 17 من قانون السلطة القضائية )
ثانيا:- نتائج بطء العدالة
الإدارية
لا شك أن العدالة البطيئة
ظلم أكيد ( فقد قال الله تعالى ) ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت , لا ظلم اليوم أن
الله سريع الحساب ) الآية رقم 17 من سورة غافر وقوله تعالى ( أن الله سريع الحساب
) بعد قوله ( لا ظلم اليوم ) تفيد أن بطء الحساب ظلم كما تفيد أيضا وبطيئة الحال
أن أحدا لن يظلم في هذا اليوم وهو رهبن بما كسب لأنها وردت بعد قوله جل شأنه اليوم
تجزي كل نفس بما كسبت ) فمن حق المتقاضي أن يتلقى حكم المحكمة بغير بطء وفي وقت
مناسب بل وسريع وذلك سواء أحكمت المحكمة له أم علية فإذا حكمت المحكمة له حصل على
حقه الذي طالب به واستراح وإذا حكمت عليه أعفته من مواصلة تحمل أعباء التقاضي
المالية والنفسية لمدة أطول ومكنته من ترتيب أموره على ضوء موقفها من دعواه ..
لذلك لم تقتصر المادة 68 من الدستور المصري لعام 1971 على النص علي أن التقاضي حق
مصون ومكفول للناس كافة وإنما أضافت وتكفل الدولة سرعة الفصل في القضايا
فطول مدة التقاضي قد تؤدى
إلى :
1-····· زوال مصلحة المدعى في
دعواه فكثيرا ما تتعلق المصلحة في الطلب بتحقيقه في وقت معين فإذا مضى هذا الوقت
مضت معه المصلحة إلي غير رجعة فقد تنتهي خدمة الموظف قبل البت في شأن من شئونه
الوظيفية
2-· ترك الخصومة لفقد الأمل في
القضاء وجدواه فقد ينطفئ حماس المتقاضى من طول مدة الانتظار ويفقد الأمل في الحصول
علي حقه عن طريق المحاكم بل ويتشكك في جدوى القضاء فيترك الخصومة ولا يواصل السير
فيها بعد أن يتملكه اليأس منها وتسقط الخصومة بناء على طلب المدعى علية ( المادة
134 من قانون المرافعات ) إذا وقف سيرها لمدة سنة من تاريخ أخر إجراء فتلغى جميع إجراءاتها
وتعتبر كأن لم تكن
3-· انتهاء حياة المتقاضى
بالوفاة فيحدث أن يموت المدعي قبل أن يسمع حكم القضاء في دعواه فكم من دعوى طال
صدور الحكم فيها حتى انقضت بالتقادم بمضي ثلاث بعد وفاة رافعها ( انظر الدكتور
احمد أبو الوفا : المرافعات المدنية والتجارية 1986 ص 615 وما بعدها )
ثالثا : أسباب بطء العدالة
الإدارية :
** لعل أهم أسباب بطء العدالة
يتركز في أربع نقاط هي طول مدة انتظار تقرير المفوضين وتأخر وصول مستندات الإدارة
وكثرة وطول مدد التأجيل وتعدد درجات التقاضي ونتحدث فيما يلي عن كل من هذه النقاط
1- طول مدة انتظار تقرير
المفوضين
اثبت الواقع العملي أن
أطول مدة تهدد بغير مبرر مقبول خلال نظر الدعوى الإدارية هي مدة انتظار الدور لوضع
تقرير بهيئة المفوضين وهذه المدة لا تقل عادة عن ثلاث سنوات وقد تصل إلي خمس أو ست
سنوات وخلال هذه الفترة تظل الدعوى الإدارية في حالة تشبه الإغماء أو النوم العميق
لا تفيق منة إلا بوضع التقرير المطلوب ونعتقد انه تعذر حل هذه المشكلة والتعجيل
بوضع تقرير المفوضين خلال بضعة أشهر فمن الأفضل إلغاء نظام المفوضين الذي ما وضع
إلا لتيسير العدالة الإدارية فانقلب الآن إلي عقبة تحول دون الفصل السريع فيها وقد
يفيد في حل مشكلة التأخير في وضع التقرير زيادة عدد أعضاء هيئة المفوضين وحسن
الإدارة بما يكفل سرعة إنجازها لمهامها·
2-· تأخر وصول مستندات الإدارة
لا شك أن المحكمة لا
تستطيع أن تدرس الدعوى لتفصل فيها دون أن تتقدم الإدارة بالملفات والأوراق
المتعلقة بموضوع الدعوى وغالبا ما تتقاعس الإدارة عن الإسراع في تقديم المستندات
المطلوبة مرة أخرى لمدد قد تطول إلي أن يصل المطلوب ويستطيع القضاء أن يتخذ موقفا
حاسما مع الإدارة التي نتأخر في تقديم مستنداتها وان يعتبر مماطلتها دليلا ضدها
حتى يجبرها على تقديمها على وجه السرعة
3-· كثرة وطول مدد التأجيل
غالبا ما تلجأ المحكمة إلي
تأجيل نظر الدعوى مرات متعددة لأجال غير قصيرة وقد يكون التأجيل ضروريا يقوم على
سبب جوهري ولكنة في أحيان أخري لا يكون كذلك ويتم بناء علي أسباب غير وجيهة أو
قوية وقد تكثر الإدارة من طلبه لأتفه الأسباب لمجرد إطالة أمد النزاع عندما تشعر
بضعف موقفها في الدعوى وهنا يجدر ألا تستجيب المحكمة إلا في الحدود المعقولة
المستندة إلي مبررات مقبولة
4-· نظام لجان التوفيق
بصدور قانون لجان التوفيق
رقم 7 لسنة 2000 أصبح الرجوع إلي هذه اللجان في منازعات الإدارة وانتظار إتمام
إجراءاتها التي تستغرق شهورا طويلة شرطا لقبول دعوى الإلغاء وادي ذلك إلي زيادة
بطء سير العدالة الإدارية الذي كان يراد تفاديه وفشلت هذه اللجان عملا في حل
المنازعات المعروضة عليها لرفض الإدارات المعنية قبول توصياتها تنفيذا للتعليمات
الصادرة إليها
*···· تعدد درجات التقاضي
لا شك أن لتعدد درجات
التقاضي مبرراته إذ أن المحكمة قد تخطئ في فهم الوقائع أو تطبيق القانون وفي الطعن
أمام محكمة اعلي وقضاة أكثر خبرة فرصة لتدارك الخطأ وتحقيق العدالة غير أنة مع بطء
إجراءات التقاضي أمام كل درجة من درجاته تزداد المدد الأزمة لإنهاء النزاع طولا
عما لو نظرت علي درجة واحدة غير أن مبررات التعدد في درجات التقاضي لا تسمح
بالمطالبة بإلغائها وكل ما يمكن المطالبة به هو اختصار الإجراءات وتقصير الوقت
اللازم للفصل في الدعوى أمام كل درجة من درجاته ( تتميز العدالة الإلهية عن
العدالة البشرية في إنها منزهة عن تعدد التقاضي وطول إجراءاته يقول الله تبارك
وتعالي ( والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب أي ليس يتعقب حكمة أحد بنقص
ولا تغيير ولا تراخي في حكمة وهو سريع الحساب أي ليس يتعقب حكمه أحد بنقص ولا
تغيير ولا تراخي في حكمة ولا تعطيل وذلك لأنة سبحانه وتعالي هو صاحب العدل المطلق
والقدرة الكاملة فلا يحتاج إلي تذكر أو تأمل أو رقابة أو مراجعة الآية 41 من سورة
الرعد انظر الجامع لأحكام القران للقرطبي المجلد الخامس ص 292
رابعا : علاج بطء العدالة
الإدارية
يمكن علاج بطء العدالة
الإدارية بوسائل متعددة أهمها ما يلي
1-··· تفادي أسباب البطء في
الفصل في الدعاوى كما هو موضح عند الحديث عن كل منها إذ لا شك أن إزالة أسباب
الظاهرة تؤدي إلي اختفائها
2-· زيادة الاهتمام بمحاولة
إنهاء النزاع وديا بين أطرافه تلك المهمة التي جعلها المشرع في المادة 28 من قانون
مجلس الدولة أمرا جوازياً لمفوض الدولة وذلك بأن يعرض علي الطرفين تسوية النزاع
علي أساس المبادئ القانونية التي استقر عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا خلال
اجل محدد غير أن هذه الإمكانية لا تستخدم إلا قليلا كما أن مقدار الغرامة التي
يجوز للمحكمة عند الفصل في الدعوى أن تحكم بها علي المعترض علي التسوية وهو عشرون
جنيها كحد أقصي يجب يزداد زيادة تجعل حكم الغرامة مؤثرا ونعتقد أنة من الأفضل أن
تكون محاولة إنهاء النزاع وديا أمرا وجوبياً علي مفوض الدولة مادامت الدعوى واضحة
ومبادئ المحكمة الإدارية العليا بشأنها قاطعة
3-····· وأخيرا بلا شك أن بطء
العدالة الإدارية كبطء العدالة بصفة عامة يقترب بل يكاد يماثل أو يطابق من حيث
النتائج إنكار العدالة وهي جريمة جنائية ولولا المشكلات والمعتقدات المحيطة بهذه
الظاهرة الخطيرة لطالبنا بتجريمها حفاظا علي الحقوق العامة وحرصا علي مصالح الناس
المشروعة
** توحيد جهات القضاء
تتركز وظيفة السلطة
القضائية كلها كإحدى سلطات الدولة الثلاثة في تأكيد سيادة القانون بتطبيقه علي
المنازعات لرد الحقوق إلي أصحابها سواء وقعت هذه المنازعات بين الإفراد أو بينهم
وبين إحدى سلطات الدولة ولضمان تمتع هذه السلطة بقدر وافر من القوة والاستقلال
ييسر لها حسن القيام بعملها دون تدخل أو اعتداء من السلطة التنفيذية كما حدث في
الماضي القريب نقترح توحيد علي غرار منصب وزير الدولة لشئون السلطة التشريعية جهات
القضاء العادي والإداري والدستوري في سلطة قضائية واحدة لها رئيس مستقل كرئيسي
السلطتين التنفيذية والتشريعية محاط هو ورجالة من القضاة بالضمانات الحقيقية
الكافية وتلغي وظيفة وزير العدل وتستبدل بها وظيفة وزير دولة لشئون السلطة
القضائية يقتصر دورة علي مجرد الحفاظ علي العلاقة الأزمة بين الحكومة والقضاء دون
أن تدخل في الشئون القضائية ( الدكتور ماجد راغب الحلو الدعاوى الإدارية ص 419 )
وهذا الاتحاد المقترح بين جهات القضاء ينبغي ألا ينال من التقسيم التخصصي القائم
بينها باعتباره تقسيما داخليا في نوعية المنازعات القضائية ولا مانع من احتفاظ
مجلس الدولة باسمة العريق وما ارتبط بهذا الاسم في الأذهان من معان سامية متصلة
بحماية الأفراد من جور الإدارة تأكيدا لسيادة القانون ويجب إلا تحرم هذه السلطة
القضائية الموحدة من نظر أي نوع من أنواع المنازعات أو القضايا بصرف النظر
عن أطرافها تأكيدا لمبدأ
المساواة بين الناس وبذلك تلغي كافة جهات القضاء الاستثنائي ويحظر قيامها ويقتصر
نطاق القضاء العسكري المنظم بالقانون رقم 25 لسنة 1966 المعدل علي محاكمة
العسكريين فقط عن الأفعال التي ترتكبونها بالمخالفة لأحكام نظامهم العسكري ونسأل
الله الحكمة وفصل الخطاب والهدي فيما نرجو من تنظيم مرفق القضاء ضمانا لتنفيذ أمره
جل شأنه حين قال ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تحياتي / محمود حموده :- سيتم مراجعة هذا التعليق قبل نشره خلال الـ 24 ساعة القادمة